للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويؤذونهم، فمشى أهل الحرس إلى زكريا بن يحيى كاتب العمري، فقالوا له: حتى متى نؤذَى ويطعَن في أنسابنا؟ فأشار عليهم زكريا بجمع مال يدفعونه إلى العمري ليسجل لهم سجلًا بإثبات أنسابهم، فجمعوا له ستة آلاف دينار، فلما صار المال إلى العمري لم يجسر على أن يسجل لهم، وقال: ارفعوا إلى الرشيد في ذلك، فخرج وفد منهم إلى العراق وأنفق مالًا عظيمًا هناك، وادعى الوفد أن المفضل بن فضالة قد كان حكم لهم بإثبات أنسابهم وأنهم بنو خوتكة بن إلحاف بن قضاعة، ثم عاد الوفد بكتاب محمد الأمين إلى العمري بالتسجيل لهم، فدعاهم العمري إلى إقامة البينة عنده على أنسابهم, فأتوا بأهل الجوف الشرقي وأهل الشرقية, وقدم جماعة من بادية الشام، فشهدوا أنهم عرب فسجل لهم العمري. ثم تجدد نظر القضية فيما بعد وفسخ حكم القاضي العمري، ورد أهل الحرس إلى أصلهم القبطي"١.

وأشار أهل الأخبار إلى قبائل كانت تتنقل من قوم إلى قوم، فتنتمي إليهم, قالوا لها: "النواقل". والنواقل: من انتقل من قبيلة إلى قبيلة أخرى فانتمى إليها٢, والتنقل دليل على أن النسب لم يكن من الصرامة والشدة على نحو ما يصوره لنا النسابون المتأخرون.

وفي الذي يذكره علماء النسب عن أنساب القبائل، أمور لا يمكن لنا قبولها، لا سيما ما يتعلق منها بالتعصب القبلي وبسرد الأنساب وتشجيرها وفي تفرعها. وأنساب القبائل موضوع لم يبحث بعد بحثًا علميًّا، وهو يحتاج إلى تفرغ وتتبع وإلى مقارنة ما جاء عند العرب فيه بما جاء عند غيرهم من الساميين وغيرهم عنه. فقد لعبت الأنساب دورًا خطيرًا عند البشرية؛ لأنها كانت الحماية والوقاية للإنسان، قبل أن تتولد الحكومات الكبيرة التي رعت الأمن وبسطت سلطانها، وبذلك خففت من غلواء النسب والانتساب.


١ كتاب قضاة مصر "٣٩٧", العبادي، الإسلام والمشكلة العنصرية "٨٨".
٢ تاج العروس "٨/ ١٤٣"، "نقل".

<<  <  ج: ص:  >  >>