للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليس له أن يتملص من حقوق الجوار إذا استحقت ووجبت؛ لأن للجار حقًّا عليك١.

وكان يقال في الجاهلية للرجل إذا استجار بيثرب: قوقل في هذا الجبل ثم قد أمنت. فإذا فعل أحد ذلك، وجب على أهل يثرب قبول جواره والدفاع عنه. وذكر أن "قوقل" رجل من الخزرج، اسمه "غنم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج"، سمي به "لأنه كان إذا أتاه إنسان يستجير به أو بيثرب, قال له: قوقل في هذا الجبل، وقد أمنت, أي: ارتق". وقيل: "لأنهم كانوا إذا أجاروا أحدًا أعطوه سهمًا, وقالوا: قوقل به حيث شئت, أي: سر به حيث شئت"، وذكروا أيضًا أن "القوقل" اسم أبي بطن من الأنصار، اسمه ثعلبة بن دعد بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف بن الخزرج. وقالوا: هو النعمان بن مالك بن ثعلبة٢.

والغاية من الجوار طلب الحماية والمحافظة على النفس والأهل والمال؛ لذلك لا يطلبه في العادة إلا المحتاج إليه. ولا يشترط في الجوار نزول الجار قرب المجير، أو في جواره أي أن يكون بيته ملتصقًا ببيته, فقد يكون على البعد كذلك؛ لأن الجوار حماية ورعاية، وتكون الحماية حيث تصل سلطة المجير، وتراعى فيه حرمته وذمته. ويكون في إمكانه الدفاع عن جاره. ولهذا كان على الجار أن يعرف حدود "الجوار"، وقد يعلقانه بأجل احترازًا وتحفظًا من الجوار المطلق، الذي لا يعلق بزمن وإنما يكون عاما.

ولا يجير أحد إنسانًا إلا إذا أحس أن في إمكانه أداء أمانة الجوار, وإلا عرض نفسه وأهله وقبيلته للأذى والسبة، إن قبل شخص جوار أحد وهو في وضع لا يمكنه من الوفاء بحقوق الجوار, ولا يطلب رجل مجاورة رجل آخر إلا إذا شعر أن من سيستجير به هو كفؤ لأن يجيره, وإلا فما الفائدة من الاستجارة برجل ضعيف قد يكون هو نفسه في حاجة إلى الاستجارة بأحد.

ولا يشترط في الجوار أن يكون جوار أحياء, فقد يستجير إنسان بقبر, فيصير


١ قال قيس بن عاصم:
لا يفطنون لعيب جارهم ... وهم لحفظ جواره فطن
المرزوقي، شرح الحماسة "٤/ ٥٨٤".
٢ المعارف "ص٥٠", تاج العروس "٨/ ٨٤"، "القوقل".

<<  <  ج: ص:  >  >>