للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتشمل العصبية كل منتمٍ إلى القبيلة، تشمل أحرارها، أي: أبناءها الخلص الصرحاء، وتشمل الموالي أي: الرقيق وكل مملوك تابع لحر، كما تشمل أهل الولاء والجوار. فالعصبية لا تعرف تفريقًا في هذه الناحية، فعلى كل من ينتمي إلى قبيلة ويحمل اسمها أن يتعصب لقبيلته ويذود عنها، وإن كان عبدًا مملوكًا، ذلك قانون وأمر محتوم، لا جدال فيه ولا نقاش، من حيث وجود حقوق أو عدم وجودها، ومن حيث إن أصل هذا حر وأصل هذا عبد؛ لأن ما يصيب الحر يصيب المولى والجار، وما يصيب المولى والجار يؤثر على الحر؛ لأنه مسئول عن مولاه وعن جاره بحكم التملك والجوار، وعلى الرقيق والجار تبعة الدفاع عن الصريح وعن القبيلة التي ينتمي إليها الصريح.

وتلزم العصبية أبناء القبيلة بوجوب تحمل التبعة والقيام بواجبها وتلبية ندائها وإجابة الصارخ بالعصبية، ليس له أن يسأل عن السبب، ولا أن يعتذر عن تلبية النداء، وإنما عليه أن يعمل بقول الشاعر:

لا يسألون أخاهم حين يندبهم ... في النائبات على ما قال برهانا١

وإذا قتل قتيل لزم الأخذ بثأره، وإذا كان القتيل سيد قبيلة وجب على القبيلة الأخذ بثأر سيدها، وهيهات أن تسكت عن قتله، وعلى كل فرد من أفراد تلك القبيلة واجب الأخذ بثأره ممن قتله.

ويفرض قانون العصبية على القبيلة تحمل التبعة، إذ جعلها تبعة جماعية. فإذا جنى رجل جناية قتل، تكون قبيلته مسئولة عن جنايته، وعليها تقع تبعة قتل القاتل إذا تعذر الأخذ بالثأر منه أو تعذر تسليم القبيلة له, كما يقع على القبيلة دفع الدية إذا عجز القاتل أو آله عن دفعها، وذلك لتوزيعها على المتمكنين من أفرادها، أو بقيام ساداتها أو سيدها بدفعها كاملة أو بدفع ما تبقى منها.

ومن هنا خضعت فردية الأعرابي المتطرفة لقانون الجماعة، أي: لسلطان العصبية فصار واجبًا عليه أن يضع نفسه تحت إمرة القبيلة, وذلك بتلبية ندائها حين يبلغه ذلك النداء، وتقديم نفسه طائعًا مختارًا لإمرة القبيلة ليدافع عنها أو ليشترك معها في الغزو، ليس له أن يفر أو يعتزل أو يتلكأ، فهذا واجب مفروض عليه، إذا خالفه خالف جماعته وخسر حمايتها له، وصار مسبوبًا من الناس.


١ حماسة أبي تمام "١/ ١٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>