للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأشياخ الكلبيون الذين لا يرضيهم هذا التنقيص في السن.

ولم يكن زهير رئيسًا لكلب خاصة، بل كان على رأي الرواة الكلبيين رئيسًا على كلِّ قضاعة. ويذكر الأخباريون أن قضاعة لم تجمع على إطاعة رئيس إلا زهيرًا وإلا رزاح بن ربيعة، وهو من عذرة. وكان رزاح هذا أخا قصي بن كلاب لأمه١. وقد جعل الأخباريون زهيرًا معاصرًا لكليب بن وائل. ويفهم من شعر منسوب إلى المسبب بن الرفل، وهو من ولد زهير بن جناب قاله مفتخرا بزهير متبجحًا به: أن أبرهة كان قد اصطفى آل زهير، وسوّدها على الناس، وأعطاه الإمرة عليهم، وجعله أميرًا على حيي معد وعلى ابني وائل حيث أهانهما وأذلهما٢. ومعنى ذلك أن زهيرًا كان في أيام أبرهة، أي في النصف الأول من القرن السادس للميلاد، وأنه على ذلك كان معاصرًا لقصي زعيم قريش.

ولم يقنع الرواة الكلبيون بكل ما ذكروه عن حياة زهير، بل أرادوا أن تكون خاتمة زهير خاتمة غريبة كذلك كغرابة حياته، فذكوا أنه كبر حتى خرف وحتى استخفت به نساؤه، وأنه لم يتمكن من الأكل بنفسه، فصارت معزبته تطعمه بنفسها، إلى أن ملّ الحياة على هذا النمط، فأخذ يشرب الخمر صرفًا أيامًا حتى مات. وذكروا أن أحدًا من العرب لم يفعل هذا الفعل غير زهير وغير أبي براء عامر بن مالك بن جعفر، والشاعر عمرو بن كلثوم٣.

ومن حروب زهير حربه مع بكر وتغلب ابني وائل، ويروي الأخباريون في ذلك أن أبرهة حين طلع على نجد أتاه زهير فأكرمه وفضله على من أتاه من العرب، ثم أقرّه على بكر وتغلب ابني وائل، فوليهم. وصار يجبي لهم الخراج، وحدث أن أصابتهم سنة شديدة لم يتمكنوا فيها من دفع ما عليهم إليه. فلما طالبهم بها، اعتذروا عن الدفع، فاشتدّ عليهم، ومنعهم من النجعة حتى يؤدوا ما عليهم، فكادت مواشيهم تهلك. فلما رأى ذلك "ابن زيابة" أحد بني تيم الله بن ثعلبة، وكان فاتكًا معروفًا، أتى زهيرًا وهو نائم، فأغمد السيف في بطنه، ثم فرَّ هاربًا ظانًّا أنه قد أهلكه. ولما أفاق زهير، أخذه من كان معه من قومه


١ السجستاني "ص٢٨".
٢ السجستاني "ص٢٩".
٣ السجستاني "ص٢٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>