للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأسير الشريف الذي لا يعرفه آسره على إخفاء شخصيته وعلى التظاهر بالإملاق وبأنه من المغمورين ليجنب نفسه دفع فدية عالية قد يفرضها آسره عليه، فتوجعه وتؤلمه.

ومن هذه النظرة أيضًا ولد اعتقاد أهل الجاهلية أن دم الرئيس يشفي من عضة الكلب الكلب١. فإذا كُلب إنسان أتوا رجلُا شريفًا فيقطر لهم من دم أصبعه فيسقون المكلوب فيبرأ. أو يسقونه من دم ملك فيشفى. جاء في المثل: دماء الملوك شفاء الكلب. ودماء الملوك أشفي من الكلب. قال أهل الأخبار عن الكلب: "وأجمعت العرب أن دواءه قطرة من دم ملك يخلط بماء فيسقاه"، فيشفى بذلك من الكلب٢. ولو لم يكن للجاهليين رأي خاص في الملوك والأشراف، وفي وجود تفوق لهم على سواد الناس، لما اعتقدوا هذا الاعتقاد في إشفاء دماء الملوك والأشراف لمن يصاب بالكلب. وبعدم إشفاء دم غيرهم لهؤلاء المرضى.

ومن هذه النظرة أيضا، تولد امتناعهم من تزويج بنات الأشراف والأسر من رجال هم دون البنت في المنزلة. وهو عرف يراعونه ويحافظون عليه إلى يومنا هذا. ويزدرون من شأن الخارج على "التكافؤ" بين البنت والولد في الزواج. وقد يرفضون تزويج رجل ثري مكتنز للمال، من امرأة فقيرة شريفة الأصل، إذا كان الرجل من أصل ذابل، كأن يكون أبوه أو جده "صانعًا" أو "خضارًا"، لأن الأصل في نظر العرب فوق المال. والشريفة يجب ألا تتزوج إلا من شريف مثلها، مراعاة منهم لمبدأ نقاوة الأصل وإنجاب الأولاد النجباء. ومن هذه النظرة امتنع العرب من تزويج بناتهم من الأعاجم حتى لو كان ذلك الأعجمي ملكًا. وقد رأينا كيف أن "النعمان بن المنذر"، رد طلب "كسرى" لمّا طلب منه تزويجه إحدى بناته من أحد أبنائه. وشق ذلك عليه حتى إنه لم يتمالك من ضبط نفسه، فقال للرسول: أما في عين السواد وفارس ما تبغون حاجتكم. ومراده من لفظة "عين" البقر. ومن اغتنام "زيد بن عديّ بن زيد العبادي" هذه الفرصة، وكان هو الذي اقترح على "كسرى" أن يزوج أحد ولده من بنات النعمان، فقال لكسرى: "قد كنت أخبرتك بضنهم بنسائهم على غيرهم،


١ بلوغ الأرب "٢/ ٣١٩".
٢ تاج العروس "١/ ٤٦٠"، "كلب".

<<  <  ج: ص:  >  >>