للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحاضر في الهند وإفريقية، وأن جوّها كان خيرًا من جوّ أوروبة في العصور الجليدية التي كانت تغطي الثلوج معظم تلك القارة، ثم أخذ الجوّ يتغير في العالم، فذابت الثلوج بالتدريج، وتغير جوّ بلاد العرب بالطبع، حدث هذا التغير في عصر ال"نيوليتك neolithic" أو في عصر ال "كالكوليتك" "chalcolithic"، ولم يكن هذا التغير في مصلحة جزيرة العرب، لأنه صار يقلّل من الرطوبة ويزيد من الجفاف، ويحوّل رطوبة التربة إلى يبوسة فيُمِيت الزرع بالتدريج، ويهيج سطح القشرة فيحوّلها ورمالا وترابا ثم صحاري لا تصلح للإنبات ولا لحياة الأحياء١.

فاضطر سكان الجزيرة الذين كانوا من الصيادين إلى أن يكيفوا أنفسهم بحسب الوضع الجديد، فأخذ ناس منهم يهاجرون إلى مناطق أخرى ملائمة توائم حياتهم ومزاجهم، وأخذ ناس آخرون يعتمدون على الزرع وتدجين الحيوانات، وعلى الاكتفاء بصيد ما يرونه من حيوانات تحملت الجو الجديد متنقّلين من مكان إلى مكان حيث الكلأ والماء. وهكذا تعرض حياة الأجسام الحية من نبات وحيوان لتغيرات تدريجية مستمرة، فرضها عليها تغير الجو.

وقد أدى انحباس المطر وازدياد الجفاف ويبوسة الجو إلى انخفاض الرطوبة من سطح الأرض، وهبوط مستوى الماء بالتدريج عن قشرة الأرض، وظهور الأملاح في الآبار، وجفاف بعض الآبار، فأدى ذلك إلى ترك الناس هذه الأماكن، إذ صعب عليهم استغلالها بالزراعة، وإصلاحها بحفر آبار لا تساعد مياهها الملحة على نمو النبات، ومعيشة الحيوان. حدث ذلك حتى في العصور الإسلامية حيث نسمع شكاوى مريرة من هذه العوارض الطبيعية٢.


١ BOASOR, Suppl., No. ٧-٩, P, ٤١, "١٩٥٠", Discoveries, P. ٨٢, A. Grohmann., Arabien,
S. ٥, B. Thomas, Anthropological Observations in South Arabia, Proceedings
of the Royal Anthropological Institute.
٢ تجد أمثلة كثيرة وبحثا قيما في هذا الموضوع كتبه "موريتس B. Moritz"
في كتابه:
Arabien, Studien Zur PhysikaMschen und Historischen Geographie des Landes

<<  <  ج: ص:  >  >>