للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تلك المناطق الخصبة في ألوف من السنين على مناطق لا تتوفر فيها شروط الحياة، فهُجِرت١.

كما أننا نجد في الكتب العربية ذكر أشجار ضخمة كانت تنمو في مناطق لا تُنْبِت شيئًا ما في الزمان الحاضر، وذكر مناطق كان تحمي، يقال لها "الحمى" وقد جفّ معظمها، وعاد أرضين قفرة جرداء، فهلاك هذه النباتات وجفاف هذه الأرضين، لا يمكن أن يعزى إلى سوء الأوضاع السياسية وهجرة القبائل والمزارعين إلى أماكن أخرى لفساد الإدارة في الأماكن البعيدة حسب، بل لا بد أن يكون للطبيعة يد في هذا التحوّل ونصيب. إن هذا التغيّر الذي حدث في جوّ جزيرة العرب، فساعد على ازدياد الجفاف وانحباس الأمطار، قد أباد النباتات، وقاوم نموّ المزروعات، وعفى على الأشجار الضخمة التي كانت تعيش من امتصاص جذورها العميقة للرطوبة من أعماق الأرض، كما أثّر في حياة الحيوان كالأسد الذي قلّ وجوده، وقد كان كثير الوجود، ويدل على كثرة وجوده هذه الأسماء الكثيرة التي وضعت له وحفظت في كتب اللغة٢. وحمار الوحش وقد كان من الحيوانات التي يخرج الناس لصيدها في الحجاز وفي نجد، والنعامة٣. والرّئْم أو بقر الوحش، والفهد، والنَّسر٤.

ومن العلماء الذين نسبوا هجرة السامين من جزيرة العرب إلى خارجها، إلى عامل الجفاف والتغيّر الذي وقع في جوّ جزيرة العرب، العالم الإيطالي "كيتاني" "l.caetani". لقد تصوّر "كيتاني" بلاد العرب في الدورة الجليدية جنة، بقيت محافظة على بهجتها ونضارتها مدة طويلة وكانت سببًا في رسم تلك الصورة البديعة في مَخِيلَة كتّاب التوراة عن "جنة عدن". وجنة عدن المذكورة في العهد القديم هي هذه الجنة التي كانت في نظر "كيتاني" في جزيرة العرب،


١ المراجع نفسها، مجلة سومر ١٩٤٩، المجلد الخامس، ٢/ ١٢٧ فما بعدها.
٢ المخصص "٨/ ٥٩ فما بعدها" وقد اشتهرت بعض الأماكن بأسودها، مثل "عثر" قال الهمداني: "وإلى حارة عثر تنسب الأسود التي يقال لها أسود عثر، وأسود عتود وهي قرية من بواديها وقد ذكرها ابن مقبل"
جلوسا بها الشم اللجان كأنهم
أسود بثرج أو أسود بعتودا
Moritz, S. ٣٥. ff. ٤٠, Noeldeke, In ZDMG, ٤٩, ٧١٣. F.
٣ Moritz, S. ٤٢, Wellhausen, Lieder der Hudhailiten, No. ١٧٥ ١٧٦, Euting. I, ٢٣٠
٤ صفة ص٢٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>