للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم في تميم، ثم في سعد، ثم في كعب، ثم في عَوف، ثم في بهدلة، فمن أنكر هذا فلينافرني، فسكت الناس، فقال المنذر: هذه عشيرتك كما تزعم، فكيف أنت في أهل بيتك وفي نفسك؟ فقال: أنا أبو عشرة، وأخو عشرة، وخال عشرة، وعم عشرة، وأما أنا في نفسي، فشاهد العز شاهدي، ثم وضع قدمه على الأرض، فقال: من أزلها عن مكانها، فله مائة من الإبل. فلم يقم إليه أحد من الحاضرين، ففاز بالبردين، وعرف ب "ذي البُردَين"١.

وطالما كانت تؤدي هذه المفاخرات إلى وقوع حروب وسفك دماء، ولذلك أبطلها الإسلام، ونهى عنها؟ وعدّها من شعار الجاهلية٢.

والمساجلة في معنى المفاخرة، بأن يصنع مثل صنيعه في جري أو سقي. وتساجلوا بمعنى تفاخروا. ذكروا أن أصل المساجلة: أن يستقي ساقيان، فيخرج كل منهما في سَجْله مثل ما تخرج الآخر، فأيهما نكل فقد غلب، فضربته العرب مثلًا للمفاخرة، فإذا قيل فلان يساجل فلانًا فمعناه أنه يخرج من الشرف مثل ما يخرجه الآخر، فأيهما نكل فقد غلب٣.

وتعرف "المفاخرة" ب "المُباهاة" أيضًا. فيقال. تباهوا إذا تفاخروا. وأما إذا صايحه، فيقال هاباه٤. وذلك بأن يذكر كل متباه مناقبه ومناقب قومه، يتفاخر بها على خصمه. وطالما أدت المباهاة إلى وقوع خصومات ومعارك.

ومن مفاخر العرب التفاخر بمن برز عندهم في عمل فذ وفي عمل خصال كريمة، أو قام بفعل استحق الإعجاب. فكانت القبائل تتفاخر بذكر أسماء هؤلاء، وتحفظ أسمائهم للتباهي بهم، كما تفعل الدول في التباهي برجالها. ومن مفاخرها: الفروسية، فعد "الحوفزان" مثلًا وهو "الحوفزان بن شريك" فارس بكر بن وائل.


١ بلوغ الأرب "١/ ٧٦".
٢ سورة "لقمان"، "٣١"، الآية "١٨"، سورة "الحديد"، "٥٧"، الآية "٢٣"، سورة "النساء" "٤"، الآية "٣٦"، العقد الفريد "٦/ ١٠١"، "طبعة العريان"، بلوغ الأرب "١/ ٢٧٨".
٣ قال الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب:
من يساجلني يساجل ماجدا ... يملأ الدلو إلى عقد الكرب
اللسان "١١/ ٣٢٦"، "صادر"، "سجل".
٤ اللسان "١٤/ ٩٩"، "بها".

<<  <  ج: ص:  >  >>