حين زرعت غيره في غابات كثيفة ذات ظروف حياتية غنية، فيها من المأكول أشكال وألوان. بينما هو لا يكاد يجد أمامه شيئًا، حتى إذا اشتد عوده واستوى، وقع في قبضة أناس جائعين، لا يقل جوعهم عن جوعه، فلا يخرج من قبضتهم أبدا. يتلذذون في أكله شواءً، ويتحدثون عن صيدهم ويفتخرون به. وقد يكون الصيد ظبيًا أو ضبًّا أو يربوعًا. ويفخرون بصيدهم لأنهم محرومون من اللحم، وكل ما تقع عليه عين المحروم من الأكل، هو أكل لذيذ دسم في نظر المحروم.
أما الأطفال فهم أطفال أينما وجدوا. لا يعرفون من أسرار الحياة وعنائها وشقائها شيئًا. همّهم اللعب، يلعب الذكور مع الإناث، الإخوة مع الأخوات، فهم أطفال البيوت. وقد يلعب معهم أطفال جيرانهم، إذا كانت البيوت متقاربة. يلعبون ألعابا هي من نتاج طبيعة أرضهم ومحيطهم. لا يعبئون بحر ولا برد، ولا بريح أو بأشعة شمس محرقة، وما الذي يفعلونه تجاه طبيعة قوية قهارة لم تعطهم إمكانيات بناء بيوت من مدر يأوون إليها لحماية أنفسهم من أشعة الشمس لهم على الأقل. وإنما مكنت آباءهم من صنع بيوت من وبر أو صوف أو شعر معز قد تقيهم من الأشعة بعض الوقاية، بأن تمنحهم شيئا من ظل. ولكنها عاجزة عن حمايتهم من البرد ومن الحر ومن الغيث إذا نزل عليهم مدرارًا. لا سيما إذا طال عهد هذه البيوت ولعب بها العمر، وصارت مهلهلة بالية، ذات جيوب وشقوق كالغرابيل، تعبث بها الرياح ساخرة من جهل هذا الإنسان القانع الراضي بحياته هذه على ما فيها من شظف وعسر وفقر، بينما هناك مجال واسع له لتحسين حاله، لو حرك نفسه واستخدم عقله وذراعه لتسخير الطبيعة في خدمته، لتحسين وضعه والترفيه عن نفسه ولو إلى حد.