للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروي أن "عفيف بن معد يكرب الكندي"، عم الأشعث بن قيس، كان قد طلق الخمر وحرمها على نفسه وحرَّم معها القمار والزنا، والثلاثة من أهم وسائل التلهي والتمتع بالحياة عند الجاهليين١. وكان قيس بن عاصم يأتيه في الجاهلية تاجر خمر فيبتاع منه ولا يزال الخمار في جواره حتى ينفد ما عنده. فشرب قيس ذات يوم فسكر سكرًا قبيحًا، فجذب ابنته وتناول ثوبها، ورأى القمر فتكلم بشيء ثم نهب ماله ومال الخمار. فلما صحا أخبرته ابنته بما صنع وما قال فآلى لا يذوق الخمر٢.

وبعض هؤلاء هم من الحنفاء، وبعضهم من السادة الأشراف الذين لم يتذوقوها، أو أنهم تعاطوها ثم رأوا ضررها فتركوها وحرموها على أنفسهم. ويظهر أن بعضهم قد حرمها على نفسه وعلى آله أيضًا، فذكر مثلا أن الوليد بن المغيرة ضرب فيها ابنه هشامًا على شربها، ولعل منهم من كان يستعمل الحد، وهو الجزاء الذي قرره الإسلام على شاربي الخمر.

وقد أشار أهل الأخبار إلى وقوع حوادث لأكثر من ذكرتهم دفعت بهم إلى تحريم الخمر على أنفسهم، كالذي ذكرته من أمر عبد الله بن جدعان، وكالذي أشار إليه أهل الأخبار من تحرش بعضهم بمحارمهم تحرشًا لا يفعله إنسان سوي، أو تخليطهم أثناء سكرهم وقيامهم بأعمال مضحكة صيرتهم سخرية للحاضرين، فلما صحوا وسمعوا بما فعلا ندموا على ما بدا منهم، وقرروا اجتنابها وتحريمها على أنفسهم منذ ذلك اليوم٣.

وكان الجاهليون يشتدون على النساء في شرب الخمر حتى لم يحفظ أن امرأة سكرت٤.


١ بلوغ الأرب "٢/ ٢٩٤".
٢ بلوغ الأرب "٢/ ٢٩٧".
٣ المحبر "ص٢٣٧ وما بعدها".
٤ بلوغ الأرب "٢/ ٢٩٧ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>