للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القصية، يتخذون بيوتًا تشبه بيوت العرب قبل الإسلام، وخاصة بيوت سادات القبائل والرؤساء. وبعض ذلك قصور وحصون ذوات جدر وأسوار مرتفعة وتقوم في طرف من الأرض أبراج لها مزارق ومرابيع للدفاع، وأبراج مربعة. وقد تقع البيوت في عدة طبقات تحمى بمختلف وسائل الدفاع. وتستعمل الزينة من أصباغ محلية ومن حجارة طبيعية ذوات ألوان مختلفة. وأعتقد أن هذه الأبنية يجب أن يعنى بدراستها المهندسون المعماريون والآثاريون، فإن دراستها تحل لنا مشكلات كثيرة للفن العربي الجاهلي، وتوصلنا إلى وضع مخططات عن بقايا الأبنية الجاهلية القديمة التي تهدمت غالبيتها، أو اعتدى عليها الإنسان ويا للأسف فاستخدم حجارتها في أبنيته الحديثة، وقضى بذلك على معالمها في الغالب، وتجاوز على حجارتها المكتوبة فحطمها وأبادها، وبذلك ألحق بتأريخ العرب قبل الإسلام ضررًا بليغًا.

وأعظم شيء في المدن هو هياكلها، أي معابدها المسماة بأسماء الآلهة التي بنيت لها، وقصور الملوك وسادات القوم وأشرافهم. فلهؤلاء مال مكنّهم من بناء قصور ضخمة ذات جملة طوابق، بنوها بحجارة طبيعية اقتلعت من الصخور، وزخرفوا الوجوه البارزة منها، وافتنَّ فيها الفنانون على وفق أذواقهم وذوق طبيعة بلادهم، ونشروا الرخام الأبيض والملون وشرحوه ألوانًا رقيقة جعلوها في النوافذ بدلًا عن الزجاج. فهذه الأماكن إذن هي التي تتحدث لنا عن العمارة عند الجاهليين.

وقد استعين في بناء بعض المدن بحجارة اقتلعت من مواضع بعيدة بعض البعد عنها في بعض الأحيان. فقد بنيت "قرنو" "معين"، بحجارة جلبت من موضع يبعد عشرين كيلومترًا تقريبًا من شمال "معين"، من "جبل اللوذ" أو من جنوب "جبل يام". ويرى بعض الباحثين احتمال جلب بعض الصخور إليها من مواضع تبعد ثمانين كيلومترًا من المدينة. وبعض هذه الأحجار ثقيل يبلغ طول الواحدة منها خمسة أمتار١. وجاءوا بـ "المرمر" إلى "شبوة" من موضع "مداث" و"كلوة" على مسافة خمسين كيلومترًا من المدينة٢.

وقد تبين من الدراسات العامة الأولية التي قام بها الباحثون لخرائب المدن الجاهلية أن بعضها قد بني على شكل مستطيل، ويحيط به سور مستطيل الشكل أيضًا


١ محمد توفيق، آثار معين "٧"، ARABIAN s. ١٤٠
٢ H. V. Wissmann, Geogr. Grundlagen, S. ٧٨, Arabien, S. ١٤٠

<<  <  ج: ص:  >  >>