للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تفوح منها رائحة الطيب، فضلًا عن البخور الذي يتبخر به.

وقد كان الأغيناء والمتمكنون من الناس يشترون العطور ويكثرون من التطيب بها. وقد تباهى "كعب بن الأشرف" بأنه كان يملك أطيب العطور المعروفة عند العرب١.

وتكون ملابسهم بالطبع من أحسن الملابس، من الديباج أو من الخز أو من الكتان، وتوشى بالذهب، وتقصب به. وقد تكون للملك دور خاصة بنسيجه، تنسج فيها حلله وما يجود به على ضيوفه وزائريه. ولديه ملابس كثيرة حاضرة، إذ طالما كان يخلع ملابسه التي يرتديها في المجلس ليعطيها إلى حاضر مدحه فأجاد في مدحه، أو لشخص قال كلامًا ظريفًا استحسنه، ومن يناله هذا التكريم يفتخر به بين أقرانه ويتباهى، فهي من المفاخر التي كان يتباهى بها في ذلك الزمان.

وعادة الخلع، خلع الحلل والملابس التي يلبسها الملوك على السادة رؤساء القبائل والأشراف، أمارة على التكريم والتقدير، هي عادة معروفة في الجاهلية، وطالما أثارت حسد الرؤساء وتباغضهم، إذ عدّ خلع الملوك لملابسهم على السيد، تفضلًا له وتقديمًا على غيره من السادة رؤساء القبائل. وكان لهذه الرسوم والعادات التي لا نعيرها اهتمامًا في زماننا ولا نقيم لها وزنًا، أهمية كبيرة في عرف ذلك العهد، وقد عرفت هذه العادة في الإسلام أيضًا. وقد كان المسلمون يتباهون بالحصول على خلع من الرسول، يخلعها عليهم من ملابسه التي يلبسها، فإن فيها تكريمًا، وفيها بركة لمن خلعت عليه، لأنها من ملابس الرسول.

وقد عرفت هذه الحلل والخلع بـ"أثواب الرضى"، لأنها لا تعطى إلا تعبيرًا عن رضى الملك عن الشخص الذي أعطيت له. وكان جباب أطواقها الذهب بقصب الزمرد. وقد أغدق "النعمان" بها على مادحيه. وكان يقول: "هكذا فليمدح الملوك"٢.

وقد ذكر أهل الأخبار أن أولئك الملوك اتخذوا ندماء من الفرس والروم أيضًا، فذكروا مثلًا أن الملك النعمان كان له نديمان، يعرف أحدهما بـ"النطاسي" واسمه "سرجون"، ويعرف الآخر بـ "توفيل"، وكلاهما من الروم٣. وورد


١ تاج العروس "٣/ ٤٠٩"، "عطر".
٢ نهاية الأرب "٣/ ١٧٧".
٣ مجمع الأمثال "٢/ ٤٩ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>