للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا عاهدوا فغير وافين١. سلاحهم كلامهم، به يتفنَّنون، وبكلامهم يتلاعبون. ليس لهم ميل إلى صنعة أو علم ولا فن، لا صبر لهم، إذا حاربوا ووجدوا قوة أمامهم، حاولوا جهدهم التغلب عليها، أما إذا وجدوها قوة منظمة هربوا مشتتين متبعثرين شراذم، يخضعون لحكم الغريب ويهابونه ويأخذون برأية فيهم، ما دام قويًّا، ويقبلون بمن ينصبه عليهم، ولا يقبلون بحكم واحد منهم، إذا أراد أن يفرض سلطانه عليهم٢.

وقد ذُكر أن أحد ملوك الهند كتب كتابًا إلى "عمر بن عبد العزيز"، جاء فيه "لم تزل الأمم كلها من الأعاجم في كلّ شق من الأرض لها ملوك تجمعها ومدائن تضمّها وأحكام تدين بها وفلسفة تنتجها وبدائع تفتقها في الأدوات والصناعات، مثل صنعة الديباج وهي أبدع صنعة، ولعب الشطرنج وهي أشرف لعبة، ورمّانة القبّان التي يوزن بها رطل واحد ومائة رطل، ومثل فلسفة الروم في ذات الخلق والقانون والاصطرلاب الذي يعدل به النجوم ويدرك به الأبعاد ودوران الأفلاك وعلم الكسوف وغير ذلك من الآثار المتقنة، ولم يكن للعرب ملك يجمع سوادها ويضم قواصيها، ويقمع ظلمها وينهي سفيهها، ولا كان لها قط نتيجة في صناعة ولا أثر في فلسفة إلا كان من الشعر. وقد شاركتها فيه العجم، وذلك أن للروم أشعارًا عجيبة قائمة الوزن والعروض فما الذي تفتخر به العرب على العجم فإنما هي كالذئاب العادية، والوحوش النافرة، يأكل بعضها بعضًا ويغير بعضها على بعض. فرجالها موثقون في حَلَق الأسر، ونساؤها سبايا مردفات على حقائب الإبل، فإذا أدركهن الصريخ استنقذن بالعشي، وقد وطئن كما توطأ الطريق المهيع٣". إلى آخر ذلك من كلام.

وقد تعرض "السيد محمود شكري الألوسي" في كتابه "بلوغ الأرب"، لهذا الموضوع، فجاء بما اقتبسته منه، ثم جاء برأي "ابن قتيبة" على الشعوبية، في كتابه: "كتاب تفضيل العرب"، ثم أنهاه ببيان رأيه في هذه الآراء وفي رد "ابن قتيبة" عليها٤.


١ بلوغ الأرب "١/ ١٥٦".
٢ راجع أصل المناظرة وحجج الشعوبين في تفضيل الأعاجم على العرب، ورد العرب عليهم، بلوغ الأرب "١/ ١٤٧ وما بعدها".
٣ بلوغ الأرب "١/ ١٦٥ وما بعدها".
٤ بلوغ الأرب "١/ ١٤٧ فما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>