للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من رزقه، تنبعث منهم روائح كريهة، من عدم الغسيل. ويلعب القمل في شعرهم، ويتنقل على أجسامهم حيث يشاء.

ويظهر أن بعض زعماء مكة قد شعر بخطر ظاهرة انتشار الفقر بمكة، وبما سيتركه الاعتقاد من أثر في مجتمعها، فعمل على معالجة مشكلة الفقر والجوع والتسول، حفظًا لمصالح الأغنياء على الأقل. فهم إن تركوا الفقر ينتشر ويتفشى، ولم يعملوا على معالجته، تطاول الفقراء منهم على أموال الأغنياء، وقاموا عليهم وأرغموهم على أخذ أموالهم أو على أن يساهموهم فيه. أضف إلى ذلك ما سيحدثه اعتداء الفقراء على أموال الأغنياء من خوف، ومن فزع في نفوس أهل هذه المدينة المتاجرة، لذلك سعوا لإقناع تجار المدينة على إنصاف الفقراء والمحتاجين ومساعدتهم للتخفيف من شدة الجوع والفقر.

ويظهر أن المخمصة، كانت شديدة، شدة حملت البعض على السطو على أموال الناس وعلى سرقة ما يجدونه أمامهم. ففزع من ذلك أهل مكة، وعمل زعماؤها على التفكير في اتخاذ أقسى العقوبات في حق السارق، فكان أن حكم "الوليد بن المغير" بقطع يد السارق، ذكر أنه كان أول من حكم بقطع يد السارق في الجاهلية١ فصار القطع سنة عندهم.

وكان أن نادى "هاشم"، وهو "عمرو بن عبد مناف" إنصاف الفقراء والمحتاجين وتقديم المعونة لهم، حتى يصير فقيرهم كالكافي، فما ربح الغني أخرج منه نصيبًا ليكون للفقراء٢. وبذلك يخفف من حدة وطأة الفقر في هذه المدينة المتاجرة.

وذكر في تعليل دعوة "هاشم" إلى إنصاف الفقراء ومساعدتهم، أنه "كان سيدًا في زمانه، وله ابن يقال له: أسد، وكان له ترب من بني مخزوم، يحبه ويلعب معه. فقال له: نحن غدًا نعتفد. فدخل أسد على أمه يبكي، وذكر ما قاله تربه فأرسلت أم أسد إلى أولئك بشحم ودقيق، فعاشوا به أيامًا. ثم إن تربه أتاه أيضًا، فقال: نحن غدًا نعتفد، فدخل أسد على أبيه


١ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن "٦/ ١٦٠".
٢
والخالطون فقيرهم بغنيهم ... حتى يصير فقيرهم كالكافي
القرطبي، الجامع لأحكام القرآن "٢٠/ ٢٠٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>