للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنه سقط عن جمل فانكسرت يده، فحملوه وهو يقول: وا يداه وا يداه، وكان أحسن الله جرمًا وصوتًا، فأصغت الإبل إليه وجدت في السير، فجعلت العرب مثالًَا لقوله هايدا هايدا يحدون به الإبل"١. وللأخباريين كلام آخر من هذا النوع عن الحداء٢. يتفق كله في أن هذا النوع من الغناء كان من خصائص غناء مضر٣.

وكان "عامر بن سنان الأكوع بن عبد الله بن قشير الأسلمي" المعروف بـ"ابن الأكوع" رجلًا شاعرًا وراجزًا، وكان يحسن الحداء، فطلب منه أصحاب الرسول أثناء سيرهم إلى خيبر أن يحدو بهم. فسمع الرسول حداءه٤.

وهناك أخبار أخرى يفهم منها أن العرب لم تدخل الحداء في الغناء، وإنما ذكرته معه، على أنه باب خاص٥. والعادة أن يجعل المسافرون معهم حاديا أو جملة حداة يحدون بهم في السفر. وكان أبو هريرة أحد الصحابة المحدثين عن رسول الله، يحدو لركب بسرة بنت غزوان٦.

والحداء إذن ضرب مخصوص من الغناء، ويكون بالرجز غالبًا لأن طبيعة الرجز تلائم هذا النوع من الغناء٧. ويذكر "المسعودي" أن الحداء كان في العرب قبل الغناء. وكان أول السماع والترجيع في العرب، ثم اشتق الغناء من الحداء٨. فالحداء متقدم على الغناء إذن، وهو الباب الذي ولج العرب منه إلى الغناء. والحداء، هو في الواقع غناء أهل البادية، وفي إرجاع أهل الأخبار أصله إلى "مضر" أو غيره من الرجال صحة، إذا اعتبرنا أن "مضر" أو غيره كناية عن الأعراب. لأن هذا النوع من الغناء مما يتناسب مع لحن البوادي ونغمها الحزينة البسيطة التي تطرب بها طبيعة البداوة نفس الأعراب. ولا زال غناء أهل البادية متأثرًا بهذه الضربات من العزف، التي تعزفها البادية للتخفيف عن كآبة.


١ العمدة "٣١٤".
٢ المعارف "٢٤١"، العمدة "٣١٤".
٣ العقد الفريد "٦/ ٢٧"، الروض "١/ ٦٠"، بلوغ الأرب "١/ ٣٦٩ وما بعدها".
٤ إرشاد الساري "٩/ ٩٠ وما بعدها".
٥ المعارف "ص٢٣٢"، اللسان "١٤/ ١٦٨".
٦ المعارف "ص١٢٠"، نهاية الأرب "٤/ ١٦٤".
٧ إرشاد الساري "٩/ ٨٨".
٨ مروج "٢/ ١٣٣"، "دار الأندلس".

<<  <  ج: ص:  >  >>