للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيامهم، جرت العادة بأن تذبح الذبائح عند قبورهم إكرامًا لهم. وقد بقيت هذه العادة الجاهلية خالدة حتى اليوم مع إبطال الإسلام لها بحديث: "لا عقر في الإسلام " ١. وليس من الضروري أن يكون أصحاب العقائر من ذوي قرابة صاحب القبر أو من قبيلته. ومن هذه القبور قبر "ربيعة بن مكدم" من "بني فراس بن غنم بن مالك بن كنانة"٢. وكان الناس يعقرون على قبره. ويظهر من شعر لحسان بن ثابت قاله لما مر بقبره، أن قبره كان قبرًا مبنيًّا بني من حجارة حرة٣.

والعادة في العقر، عقر قوائم الدابة، وقد تعقر الدابة ثم تذبح، والغالب أن تكون الدابة جملًا أو ناقة، ولكن بعضهم كان يعقر شاة كذلك، وذلك إذا كان أهل الميت من طبقة ضعيفة، يصعب عليها عقر جمل أو ناقة. وقد ورد النهي عن ذلك في حديث آخر هو: "لا تعقرن شاة أو بعيرًا إلا لمأكلة"٤.

وقوم كانوا يحبسون ناقة الرجل، وذلك بأن يشدوا الناقة إلى قبر الرجل، ويعكسو رأسها إلى ذنبها، ويغطو رأسها بولية، وهي البردعة، وتربط برباط وثيق حتى لا تهرب، فإن أفلتت لم ترد عن ماء ولا مرعى، وإذا بقيت على القبر، فإنها تبقى في حفرة لا تعلف ولا تسقى حتى تموت عطشًا وجوعًا، ويقال لهذه الناقة السيئة الحظ: البلية. ويزعمون أنهم إنما يفعلون ذلك، ليركبها صاحبها في المعاد، ليحشر عليها فلا يحتاج أن يمشي. قال أبو زبيد:

كَالبَلايا رُءوسُها في الوَلايا ... مانِحاتِ السَموم حَرَّ الخُدودِ٥

ووجدت في قبور الجاهليين أشياء مما يستعمله الإنسان في حياته مما يدل على أنهم كانوا كغيرهم يدفنون مع الموتى ما يشعرون أن الميت قد يحتاج في حياته الأخرى إليه٦. أما الأعراب فلا نتصور أنهم كانوا يدفنون مع الموتى أشياء ثمينة


١ "لا فرع ولا عتيرة" الحديث رقم٦، ٧، من أحاديث كتاب العقيقة، صحيح البخاري.
٢ بلوغ الأرب "٢/ ١٢٥ وما بعدها". Muh. Stud. I, S. ٢٤١
٣
نفرت قلوصي من حجارة حرة ... بنيت على طلق اليدين وهوب
بلوغ الأرب "٢/ ١٢٥".
٤ اللسان "٤/ ٥٩٢".
٥ النهاية، لابن الأثير "١/ ٩٥"، نهاية الأرب "٣/ ١٢١".
٦ Reste, S. ١٨٠

<<  <  ج: ص:  >  >>