لحكومات مدن الخليج، وتهديد الرومان واليونان للنبط. وحملة "أوليوس غالوس" على اليمن، لضم أصدقاء أغنياء إلى إمبراطورية الرومان، يؤدون لها الخراج ويقدمون لها ما عندهم من ذهب إبريز، وإلا فالنار والخراب والدمار والقتل.
فلا مجال للحكومات الغنية الصغيرة من العيش بأمن وسلام. وليس عندها سوى الاختيار بين أمر من أمرين. فإما دفع جزية ثقيلة ترضي القوي، وإما الاستسلام وإنزال النار بها والدمار.
أما البوادي والأرضين القفرة الفقيرة القليلة الماء، فلا يمكن أن تنبت بها "ممالك" كبيرة، لعدم توفر مستلزمات المعيشة والتجمع الكبير فيها، لهذا صارت حكوماتها حكومات "رئاسات" رئاسة قبيلة أو أحلاف. وقد يحلو للرئيس أن يختار له "ملك"، لقب لا يعني في الواقع العملي أكثر من سيد قبيلة. وحكومات باطن جزيرة العرب هي من هذا النوع في الأكثر. أما الملكيات فقامت في مواضع الحضارة، حيث التربة الصالحة الخصبة المساعدة على حياة التجمع والاستقرار.
ووجود حضر، يقبلون بالطاعة والخضوع لحكم حاكم، ومال يجبى من الناس ليستعين به الحاكم على الإنفاق على نفسه وعلى جيشه، وعلى من ينصبهم لإدارة الأمور، قامت تلك الملكيات في العراق وفي بلاد الشام وفي أطراف جزيرة العرب، وفي مواضع الماء من نجد كاليمامة. وقد تكلمت عنها في الأجزاء السابقة من هذا الكتاب.
أما الرئاسة، فهي درجات تبدأ برئاسة بيت، وتنتهي برئاسة قبيلة. ولكل رئيس سلطان على أتباعه وحقوق وواجبات. وعليه أيضًا حقوق وواجبات يجب أن يوفي بها لأتباعه ومن هم في عنقه ويمينه. والرئيس هو "بعل" و"رب" و"سيد" جماعته والمسئول الشرعي عن أتباعه، وهو ممثلهم ولسانهم الناطق باسمهم وحاميهم في الملمات.
وقد عرف "هشام بن المغيرة" بـ"رب قريش" ونسبت قريش إليه في الجاهلية، فقال الشاعر:
أحاديث شاعت في معدٍّ وغيرها ... وخبّرها الركبان حيّ هشامِ