للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخليفة في الإسلام أميرًا على المسلمين، نعت بـ"أمير المؤمنين". ولم ترد اللفظة في النصوص الجاهلية بمعنى "ملك". ويظهر أنها كانت تعني عند أهل الحجاز الرئيس الآمر. وقد ورد في كتب التاريخ أن الأنصار لما اختلفوا مع المهاجرين بعد وفاة الرسول على "الإمارة" واجتمعوا في "سقيفة بني ساعدة" قالوا: "منا أمير ومنكم أمير"١. وفي استعمال الأنصار لهذه اللفظة، دلالة على وجودها عند الجاهليين واستعمال أهل الحجاز لها بهذا المعنى في أيام الجاهلية.

ويظهر من الموارد "البيزنطية" ومن روايات أهل الأخبار، أن الملوك الغساسنة والملوك من "آل نصر"، أي ملوك الحيرة، لم يكونوا ملوكًا بالمعنى العلمي الصحيح المفهوم من الكلمة، وإنما كانوا "عمالًا"، إذا كاتبهم الروم أو الفرس، لقبوهم بـ"عامل". إذ عينوهم عمالًا على الأعراب ولم يعينوهم "ملوكًا". فلقب "ملك" من الألقاب الخاصة بملوك الروم لم يمنحوه لغيرهم٢.

وكذلك كان الشأن عند الفرس. نعم لقد ذكر المؤرخ "بروكوبيوس" Procopius أن القيصر "يسطنيانوس" Justinianus منح "الحارث بن جبلة" لقب "ملك" ولقب بعض الكتبة اليونان سادات غسان باللقب المذكور، غير أن هذا التلقيب لا يمكن أن يكون دليلًا على أن الدولة البيزنطية كانت تطلق عليهم بصفة رسمية وأنه كان لقبهم الرسمي المعترف به عند الدول الأجنبية. ومن هنا شك المستشرق "نولدكه" في صحة رواية "بوكوبيوس" بشأن منح الحارث لقب "ملك"، ذلك لأن لقب "ملك" كان خاصًّا كما ذكرت بقياصرة البيزنطيين، فلا يمنح لغيرهم، ولأن الوثائق الرسمية لم تطلق هذا اللقب عليهم٣. ثم إن نص أبرهة الشهير الذي تحدثت عنه أثناء حديثي عن "أبرهة"، لم يلقب "المنذر" ولا "الحارث بن جبلة" بلقب "ملك"، بل لم يلقبهما بأي لقب، بما في ذلك لقب "عامل". وهذا مما يدل على أن "آل نصر" و"آل غسان" وإن لقبوا أنفسهم بلقب "ملك" أو لقبهم العرب به، إلا أن ذلك التلقيب لم يكن


١ الطبري "٣/ ٢١٨"، "ذكر الخبر عما جرى بين المهاجرين والأنصار في أمر الأمارة في سقيفة بني ساعدة".
٢ غسان "ص١٢"، المشرق: السنة الأولى، الجزء١١، حزيران ١٨٩٨م، ص٤٨٥"، جواد علي تاريخ العرب قبل الإسلام "٤/ ١٢٩".
٣ غسان "ص١٢"، جواد علي، تاريخ العرب قبل الإسلام "٤/ ١٢٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>