المفهوم من الحكومة في الزمن الحاضر، أي: رئيس مفروض على المدينة بحكم الوراثة أو بحكم القوة، أو رئيس منتخب ينتخبه أبناء المدينة أو ساداتها وأشرافها لأجل معلوم أو لأجل غير معلوم.
ولم يكن لهذه المدن موظفون نيطت بهم أعمال معينة وواجبات محددة عليهم القيام بها، في مقابل أجور تدفع لهم. ولم يكن فيها مؤسسات ثابتة مثل المحاكم والشرطة لضبط الأمن والضرب على أيدي من يخلون بالأمن ويخرجون على أوامر المجتمع وقوانينه، ولم يكن فيها ما يشبه أعمال الحكومة المعروفة عندنا، لأن مجتمع ذلك العهد يختلف عن مجتمعنا الحديث.
فمكة مثلًا، وقد كانت من أبرز مدن الحجاز في القرن السادس للميلاد، لم تكن ذات حكومة. لم يكن يحكمها ملك، ولم يحكمها رئيس، وكذلك كان أمر "يثرب" و"الطائف" وسائر قرى العربية الغربية. لم يكن فيها أي شيء من هذه المؤسسات الثانية التي تكون الحكومة، والتي تتعاون لتدبير أمور الناس.
وكل ما كان في مكة، أسر، يعبر عنها بـ"آل" و"بني"، فيقال:"آل عبد المطلب" و"آل عبد شمس" و"آل هاشم"، و"بنو عبد المطلب" و"بنو عبد شمس" و"بنو هاشم"، وهكذا، تستوطن شعابًا خصصت بها.
وكل "شِعب" مجتمع قائم بنفسه، له سادته وأشرافه، وهم وجوه الشعب، وأصحاب الحل والعقد في هذا المجتمع.
ويقوم وجوه الشعب بفض ما يحدث بين أبناء الشعب من خلاف، وبالنظر في أمر المخالفين لأعرَاف الشِعْب وعاداته، وأحكامهم غير إلزامية ولا تسندها قوة تنفيذية، بل تنفذ بحكم الأعراف والأصول المرعية، وبحكم وجاهة هؤلاء الرؤساء ومكانتهم عند الشعب.
أما إذا حدث حادث تجاوز مداه حدود "الشِعب"، فشمل شعبًا آخر أو عدة "شِعاب"، فيكون أمر النظر فيه لسادات "الشعاب" التي يعنيها الأمر، فيجتمعون عندئذ للنظر في الأمر وللبت فيه بحكمة وبأناة قدر الإمكان، مراعاة للجوار، وإقرارًا للسلم. وإذا أخفق المجتمعون في اتخاذ قرار توسط بينهم وسطاء محايدون لفض ذلك النزاع بالتي هي أحسن.
وقد ينشب خلاف بين الأحياء على أمور تمس المصالح الكبيرة الخاصة بالأسر،