للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأقصد بأوامر أولي الأمر، أوامر أصحاب الحلّ والعقد من ملوك وسادات قبائل ورؤساء "الملأ" و"الندوة". فقد كانت أوامرهم أحكامًا تتبع في زمني السلم والحرب. وهم مشرعون ومنفذون، وقد صارت قوانين متبعة، وأشير إلى بعض منها في الموارد الإسلامية.

وقد وصلت إلينا أوامر ملكية قتبانية في تنظيم الجباية والتجارة، كما وصلت كتابات فيها تشريعات تخص النواحي القانونية سأتحدث عنها في المواضع المناسبة.

وأما أحكام ذوي الرأي فأريد بها أحكام فقهاء الجاهلية الذين عرفوا بالأصالة في الرأي وبالمقدرة في استنباط الأحكام المناسبة في فضِّ المنازعات والخصومات. ولا أريد بتعبير "فقهاء الجاهلية"، طبقة خاصة من علماء الفقه, أي: القانون، على نمط علماء الفقه عند الرومان أو اليونان أو فقهاء الإسلام، تخصصت بالفقه وبشرائع الجاهليين، وإنما أقصد بهم أولئك الذين طلب إليهم أن يكونوا حكمًا بين الناس، لوجود صفات خاصة بهم جعلتهم أهلًا للقضاء والحكم فيما يشجر بينهم من خلاف وهم سادات القبائل وأشرافها والكهّان.

وفي فقه الجاهلية أحكام كثيرة، وضعها مشرعون محترمون عند قومهم، وجرت عندهم مجرى القوانين. وقد نص أهل الأخبار عليها، كما نصوا على أسماء قائليها. وقد ذكروا بين تلك الأحكام أحكامًا أقرها وثبتها الإسلام. من ذلك حكمهم في "الخنثى"، وهو حكم حكم به "عامر بن الظرب العدواني" و"ذرب بن حوط بن عبد الله بن أبي حارثة بن حي الطائي", وقد أقر الإسلام حكمهما١، ومثل حكم "ذي المجاسد" وهو "عامر بن جشم بن غنم بن حبيب" في توريث البنات. فقد كانت العرب مصفقة على توريث البنين دون البنات، فورث ذو المجاسد، وهو الذي قرر أن للذكر مثل حظ الأنثيين. وقد وافق حكمه حكم الإسلام٢.

إننا لم نسمع حتى الآن بوجود مفتين، أي: فقهاء كلفوا إبداء آراء في معضلات تفع فتعرض عليهم لإيجاد حلول ومخارج قانونية لها. ولم نسمع أيضًا بوجود حكام كلفوا رسميًّا من الدولة القضاء بين الناس، ولا أستبعد العثور في المستقبل على


١ المحبر "ص٢٣٦".
٢ المحبر "ص٢٣٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>