ويثبته. وهو لا يحصل عليه في الغالب إلا بتهديد ووعيد وبوساطة أو باستعمال القوة.
وضخامة البيت أو العشيرة أو القبيلة، هي من جملة مسببات الحصول على الحق بفرضه فرضًا، لذلك صارت القوة هي معيار الحق والعدل، وصار القوي المنيع هو صاحب الحق في الغالب.
ولما كان الرجل أقوى من المرأة، وقد منح نفسه حقَّ سن الأحكام، صار الحق في الجاهلية في جانبه، فرفع نفسه عنها في أكثر الأحكام، وحرمها الميراث حتى لا يذهب الإرث إلى غريب، وقايضها بديونه أو بجناية تقع منه كما في "فصل الدم" وفي زواج البدل وفي منع المرأة من الزواج إلا من قريبها لوجود حق الدم عليها، وفي منع زواج زوجات الآباء إلا برضى أبناء الأب وذوي قرابته؛ لأنهم أحق بالزواج منها، وغير ذلك من أمور، جعل المرأة عرضًا وملكًا، حتى حرم الإسلام كثيرًا من هذه السنن الجاهلية التي لم يكن الجاهليون يرون أنها تنافي مبدأ العدالة؛ لأن ظروفهم الاجتماعية لم تكن توحي إليهم أن اعتبار المرأة دون الرجل في الحقوق شيئًا منافيًا للحق والعدل، فقد وجدوا أن الطبيعة خلقتها دونهم في القوة، فجعلوها من ثم دونهم في الحقوق، ولم يكن أمامها بالطبع غير الاستسلام.
فالحق هو القوة، والعدل هو القوة، ولن ينال امرؤ حقه إلا إذا كان مالكًا لذلك الحق، وهو القوة على تحصيل الحق. وبهذا الحكم للحق، حرم المرأة من ميراثها كما ذكرت، كما حرم من هو دون سن البلوغ، ومن لا يستطيع القتال من هذا الحق أيضًا. فلم يحرم القانون الجاهلي المرأة وحدها ودون غيرها من الإرث، لمجرد أنها امرأة، بل حرم الأولاد منه أيضًا ما داموا دون سن القتال. فقد وجد المشرع الجاهلي أن من الحيف إعطاء الطفل إرثًا، وهو طفل لا يستطيع الطعن بالرمح ولا الضرب بالسيف، لذلك حرمه منه ما دام طفلًا، وحرم الكبار منه ما داموا لا يستطيعون الطعن ولا الضرب بالسيف والذب عن الحق. ولا سيما عن حق الأهل والقبيلة، الذي هو الحق العام. لذلك حرم المعتوه أيضًا من حق الإرث؛ لأنه معتوه لا يستطيع حمل السيف والدفاع عن الحق.
ومن هذه النظرة أخذوا بمبدأ تفاوت الحقوق، بأن جعلوا تقدير الحق على أساس درجات الإنسان ومكانته، ومنزلة القبيلة ومكانتها، فدية الملك مثلًا أعلى من دية سيد القبيلة، ودية سيد القبيلة فوق ديات الآخرين، وهكذا على حسب