للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أخذت أعراف وعادات الأعراب بمبدأ حق "ولي الدم" في أخذ حق "الدم", وذلك بالقود أو بأخذ الثأر أو بأخذ الدية. وبهذا المبدأ عمل أهل المدر أيضًا. ولكن نظرًا لوجود اختلاف في طبيعة الحياة الاجتماعية عند العرب المستقرين، فقد تساهل هؤلاء بعض التساهل في موضوع حق "الأخذ بالثأر"، بينما تشدد الأعراب فيه، واعتبروا القعود عنه ضعة وخسة، وقبول الدية سبّة تنتقل من جيل إلى الجيل الذي يليه، وهي لا تمحى إلا بغسلها بالأخذ بالثأر، فإن الدم لا يغسل إلا بالدم. وبذلك نجد مبدأ حق معاقبة القاتل في أيدي أصحاب القتيل في قانون الأعراب، أي: أهل الوبر.

أما بالنسبة إلى العرب الجنوبيين، فإننا لا نستطيع أن نتحدث عن آرائهم القانونية عن "حق ولي الدم"، وعن الأخذ بـ"حق الدم" بصورة عامة شاملة، وذلك لعدم ورود نصوص فقهية عديدة في هذا الموضوع. ولكننا إذا أخذنا بنظرية القياس، وقسنا حكم المعينيين والسبئيين والحضارمة على حكم القتبانيين بالنسبة إلى "حق ولي الدم"، فإننا لا نستطيع أن نقول إن وجهة نظر العرب الجنوبيين بالنسبة إلى هذا الحق تختلف عن وجهة نظر العرب الشماليين بالنسبة إليه.

فقد أخذ القانون القتباني بمبدأ حصر هذا الحق بالملك إذ جعله هو وحده الذي يقرر نوع العقوبة التي يمكن إنزالها في القاتل. فهو الذي يأمر بالقصاص، أي: بقتل القاتل، أو بفرض الدية. ويقابل "الملك" ما يقال له: "السلطان" في الفقه الإسلامي, أي: الرئيس الأعلى للدولة أو من يقوم مقامه من المخولين بالنظر في تنفيذ القوانين والأحكام. فالدولة إذن هي المسئولة وحدها عن أخذ حق القتيل من القاتل، لا "ولي الدم". وليس لولي أمر القتيل أن يتصرف من عنده لأخذ حق الدم من سافكه. وتتفق وجهة نظر الحكومة القتبانية هذه مع وجهة نظر "القوانين الرومانية" التي دونت في أوائل القرن السادس للميلاد، ومع التشريع المدني الحديث الذي يجعل أمر تنفيذ القوانين وتطبيقها وتشريعها حق من حقوق الدولة ومن الأمور التي تخص سيادتها وكيانها١.


١ A. Grohmann, Arabien, S. ١٣٣

<<  <  ج: ص:  >  >>