للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستعمال هذا اللفظ بهذا المعنى كثير١.

وجاء في سورة المائدة: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} ٢ أي أحكام الملة الجاهلية وما كانوا عليه من الضلال والجور في الأحكام والتفريق بين الناس في المنزلة والمعاملة٣.

وأطلقوا على "الجاهلية الجهلاء"، والجهلاء صفة للأولى يراد بها التوكيد، وتعني "الجاهلية القديمة"٤. وكانوا إذا عابوا شيئًا واستبشعوه، قالوا: "كان ذلك في الجاهلية الجهلاء".٥ و"الجاهلية الجهلاء" هي الوثنية التي حاربها الإسلام. وقد أنب القرآن المشركين على حميتهم الوثنية؛ فقال: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} ٦.

والرأي عندي أن الجاهلية من السفه والحمق والأنفة والخفة والغضب وعدم الانقياد لحكم وشريعة وإرادة إلهية وما إلى ذلك من حالات انتقصها الإسلام؛ فهي في معنى "اذهب يا جاهل" نقولها في العراق لمن يتسفه ويتحمق وينطق بكلام لا يليق صدوره من رجل، فلا يبالي أدبًا ولا يراعي عرفًا، و "رجل جاهل" نطلقه على من لا يهتم بمجتمع ودين، ولا يتورع من النطق بأفحش الكلام. ولا يشترط بالطبع أن يكون ذلك الرجل جاهلًا أميا، أي ليس له علم، وليس بقارئ كاتب.

وقد اختلف المفسرون في المراد من الجاهلية الأولى في قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} ٧، فقيل: "الجاهلية الأولى التي


١ بلوغ الأرب "١/ ١٦".
٢ سورة المائدة ٥ آية ٥٠ تفسير الخازن "١/ ٥١٦"، مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي، حاشية على الخازن "١/ ٥١٦".
٣ محيط المحيط "٣٠٩"، تفسير الخازن "١/ ٥١٦".
٤ محيط المحيط ٣٠٩، أساس البلاغة "١/ ١٤٥"، صحاح الجوهري "٢/ ١٦٩"، أقرب الموارد ص "١٤٧" "وقالوا الجاهلية الجهلاء فبالغوا". لسان العرب "١٣/ ١٣٧" شمس العلوم، "ج ١ ي٢، ص ٣٦٨"
٥ أقرب الموارد ١٤٧.
٦ سورة الفتح ٤٨ آية ٢٦. عن الجاهلية والجهل وما ورد بهذا المعنى في القرآن الكريم، راجع تفصيل آيات القرآن الحكيم، تأليف جون لابوم، نقله إلى العربية محمد فؤاد عبد الباقي ص٦٢١.
٧ سورة الأحزاب رقم ٣٣، آية ٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>