للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تلاحظ كلها في دراستنا لتأريخ الأديان. هذا ويجب ألا نتصور أن أديان العرب قبل الإسلام لم تتأثر بمؤثرات خارجية، فلم تأخذ من الأمم والشعوب التي اتصلت بها شيئًا جريًا على نظرية القائلين بعزلة العرب وبعدم اتصالهم بالخارج، وبأنهم بدو، لا علم لهم ولا رأي ولا دين. وهي نظرية نشأت عن عدم وقوف القائلين بها بأحوال العرب قبل الإسلام. وإذا وافق أولئك على أن اليهودية والنصرانية كانتا في جزيرة العرب قبل الإسلام كما نص على ذلك القرآن الكريم، وأن من العرب من كان على دين يهود، وأن منهم من كان على دين النصارى، فلن يستطيعوا إنكار ورود اليهودية والنصرانية إلى العرب من الخارج بعمل الهجرة والتبشير والاتصال بفلسطين والعراق. وسيوافقون أيضًا على أن الوثنيين قد تأثروا كذلك بوثنية غيرهم، كما نص على ذلك الأخباريون وأنهم أثروا في غيرهم أيضًا.

إن معارفنا عن أديان العرب قبل الإسلام مستمدة في الدرجة الأولى من النصوص الجاهلية بلهجاتها المتعددة من معينية وسبئية وحضرمية وأوسانية وقتبانية وثمودية ولحيانية وصفوية، وهي نصوص ليس من بينها نص واحد ويا للأسف في أمور دينية مباشرة، مثل نصوص صلوات أو أدعية دينية أو بحوث في العقائد وما شبه ذلك. غير أن هذه النصوص المذكورة، ومعظمها كما قلت سابقًا في أمور شخصية، حوت مع ذلك أسماء آلهة ذكرت بالمناسبة، وبفضلها عرفنا أسماء آلهة لم يصل خبرها إلى علم الأخباريين؛ لأن ذكرها كان قد انطمس وزال قبل الإسلام. ومن هذه النصوص استطعنا أن نستخرج آلهة القبائل العربية القديمة، وأن نرجعها إلى المواضع التي كانت تتعبد بها لها، وأن نعين العصور التي كان الناس فيها يتعبدون لها على وجه التقريب.

كذلك تعد الكتابات والنقوش المدونة ببعض اللغات الأعجمية كالآشورية والعبرانية واليونانية واللاتينية ولغة بنى إرم موردًا مفيدًا لمعرفة أديان العرب قبل الإسلام بعد النصوص العربية. فقد وعت أسماء أصنام قديمة نصت عليها، وبذلك ساعدتنا في الوقوف على عبادتها وعلى من تعبد لها من قبائل.

وأما أديان العرب قبيل الإسلام وعند ظهوره، فالقرآن الكريم هو مرجعنا في هذا الباب. ففيه ذكر لما كان عليه الناس ولا سيما أهل مكة ويثرب والحجاز من عبادات وآراء، وفيه أسماء بعض الأصنام الكبرى التي كانت تتعبد لها القبائل.

<<  <  ج: ص:  >  >>