للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبل الإسلام في زوبعة عاتية وعاصفة مليئة بالرمال نتخبط فيها للحصول على مخرج نخرج منه، وليس لنا إلا الأمل بالخروج من هذه العاصفة العاتية المتعبة في وقت ما.

وهذا الذي أورده أهل الأخبار عن أهل الجاهلية على ما فيه من تناقض وتضارب واقتضاب، هو كما رأينا مادتنا الوحيدة عن الحياة الدينية عند عرب الجاهلية قبيل الاسلام وعند ظهوره، ولا سيما بالنسبة إلى عرب الحجاز وعرب الشأم والعراق وهناك روايات لم نستفد منها حتى الآن؛ لصعوبة التوصل إليها، لا لكونها في بطون المخطوطات، ولهذا يصعب الحصول عليها. فإن الكثير منها قد طبع، وهو في متناول الأيدي، إنما صعوبتها في كونها في كتب مطبوعة طبعًا على الطريقة القديمة بلا نظام ولا ترتيب ولا تبويب فني ولا فهرست لما في الكتاب المطبوع من مواد ومن أسماء أشخاص أو أصنام أو أوثان أو ما شابه ذلك. وليس أمام المؤرخ في هذه الحالة إلا أن يقرأ تلك الكتب من بسملتها حتى منتهاها؛ ليحصل منها في النهاية على كلمة أو كلمتين أو خبر أو أخبار، ولكن كيف يتمكن المؤرخ من قراءة كتب ضخمة كتفسير الطبري وكتب التفاسير الأخرى وشروح الحديث وكتب التواريخ والطبقات وبقية الكتب إذا كان الكتاب يتألف من أكثر من عشرة أجزاء، وهي كلها بلا فهرست للأعلام ولا لما في الكتاب من فوائد ومواد. لا يتمكن المؤرخ بالطبع من قراءة كل هذه الموارد المذكورة مع تساوي عمره بسائر أعمار الناس، ولو مد الله في عمره وصيره إنسانًا آخر ذا عمر طويل من أعمار الأناس الذين أرخهم "السجستاني" في كتاب المعمرين، لتمكن من الإحاطة ببعض تلك الموارد على الأقل. غير أن عمر المؤرخ ويا للأسف مثل أعمار سائر الناس، قصير محدود، فليس في إمكانه الإحاطة بما ورد في هذه الكتب الواسعة المجهولة، على ظهورها في عالم الوجود ووجودها في خزانة كتب المؤرخ وفي يد أي شخص يريد الحصول عليها؛ لأن الموضوع ليس موضوع وجود كتاب مطبوع أو مخطوط، إنما هو اكتشاف ما في المطبوع أو المخطوط من آراء وأخبار وأعلام.

ما دام الوضع على هذا الحال وما دامت أكثر كتبنا غير مفهرسة ولا منسقة، فليس في استطاعة المؤرخ أن يأتي بشيء كثير يشفي غليل من يريد المزيد من

<<  <  ج: ص:  >  >>