للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ، فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ، فَلَمَّا رَأى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ، فَلَمَّا رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ، إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ١. فقد لفت ذلك ذلك الكوكب نظر إبراهيم، وبهره بحسن منظره وبلونه الزاهي الحالب، فتعبد له، واتخذه ربًّا، فلما أفل، ورأى كوكبًا آخر أكبر حجمًا وأجمل منظرًا منه، تركه، وتعبد للكوكب الآخر، وهو القمر. فلما أفل، ورأى الشمس بازغة، وهي أكبر حجمًا وأظهر أثرًا وأبين عملًا في حياة الإنسان وفي حياة زرعه وحيوانه وجوه ومحيطه، ترك القمر وتعبد للشمس، فيكون قد تعبد لثلاثة كواكب، قبل أن يهتدي إلى التوحيد، هي القمر والشمس، والمشترى أو الزهرة على ما جاء في أقوال المفسرين٢.

ويشير القرآن الكريم في موضع آخر إلى عبادة الجاهليين للأجرام السماوية، ولا سيما الشمس والقمر، ففيه " {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} ٣.

وهذه الأجرام السماوية الثلاثة هي الأجرام البارزة الظاهرة التي بهرت نظر الإنسان، ولا سيما الشمس والقمر. والزهرة، وإن كانت غير بارزة بروز الشمس والقمر، غير أنها ظاهرة واضحة مؤثرة بالقياس إلى بقية الأجرام ذات مظهر جذاب، ولون باهر خلاب، وقد يكون هذا المظهر الجميل الأخاذ هو الذي جعلها ابنًا للشمس والقمر في أساطير العرب الجنوبيين.

واعتبر الجاهليون القمر أبًا في هذا الثالوث، وصار هو الإله المقدم فيه، وكبير الآلهة. وصارت له منزلة خاصة في ديانة العرب الجنوبيين. وهذا ما حدا ببعض المستشرقين إلى إطلاق ديانة القمر على ديانة العرب الجنوبيين على سبيل


١ الأنعام، الآية ٧٥ وما بعدها.
٢ تفسير الطبري "٧/ ١٥٨ وما بعدها" تفسير القرطبي، الجامع "٧/ ٢٥".
٣ فصلت، الآية ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>