للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى ذلك، كأن يذكر بأن أصحابها توسلوا إلى الإله أو الآلهة المذكورة برجائهم الذي طلبوه، فأجيبت مطالبهم، ولذلك قدموا هذه النذور، فهي وفاء لدين استحق عليهم بسبب ذلك النذر وتلك الشفاعة.

ولا بد لنا من الإشارة هنا إلى أن الأصنام كانت تدافع عن قبائلها وتذب عنها وتحامي عنها في الحرب، كما يدافع سيد القبيلة عن قبيلته، وأن أبناء القبيلة أبناؤها وأولادها، ولذلك كانوا يقولون عنها "آب" "أب" في كتاباتهم، ويكتبون عن أنفسهم "أبناء الصنم...." وفي الشعر الجاهلي أمثلة عديدة تشير إلى اعتقاد القوم باشتراك آلهتهم معهم في الحرب وفي انتصارهم لهم. ففي الحرب التي وقعت بين "بني أنعم" و"بني غطيف" بشأن الصنم "يغوث" يقول الشاعر:

وسار بنا يغوث إلى مراد ... فناجزناهم قبل الصباح١

وطبيعي أن بعد أعداء القبيلة أعداء لصنم القبيلة، وأعداء الصنم أعداء للقبيلة، فأعداء الآلهة وأعداء القبيلة هم خصوم لا يمكن التفريق بينهم.

وفي معركة أُحد، وهي من المعارك الحربية المهمة التي جرت بين الإسلام والوثنية على مستقبل العرب الديني، نادى أبو سفيان بأعلى صوته: "اعل هبل! اعل هبل! "؛ ليبعث الحماسة في نفوس الوثنيين وليستغيث بصنمه في الدفاع عن أتباعه المؤمنين به. أما المسلمون، فاستنجدوا بالله، إذ ردوا عليه ردة قوية عالية: "الله أعلى وأجل" فقال أبو سفيان: "ألا لنا العزى ولا عزى لكم" فأجابه المسلمون: "الله مولانا ولا مولى لكم"٢.

وفي الحروب يحارب كل إله عن قبيلته، ويجهد نفسه في الدفاع عنها في سبيل حصولها على النصر. ولهذا السبب كانت القبائل والجيوش تحمل أوثانها أو صور آلهتها أو رموزها الدينية المقدسة معها في الحروب. تتبرك بها وتستمد منها العون والنصر. ولما حارب الأعراب الملك "سنحاريب" ملك آشور، حملوا أصنامهم: "دبلت" "دبلات" Diblat، و"دية" Daia = Daja


١ البلدان "٨/ ٥١١".
٢ الطبري "٢/ ٥٢٦ ". "معركة أحد".

<<  <  ج: ص:  >  >>