للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشواهد الوحيدة التي نملكها من آراء في ذلك العهد أما ما جاء في روايات الأخباريين وفي كتب التفسير والحديث والملل والنحل، ففيه بعض الشيء عن آراء الجاهليين القريبين من الإسلام، ولا سيما عرب مكة ويثرب عن تلك الأمور.

ويفهم من القرآن الكريم أن من الجاهليين من كان يعتقد أن للعالم خالقًا خلق الكون وسواه، وأن منهم من كان يعتقد بوجود إله واحد فهم موحدون، وأن منهم من أقر بوجود إله واحد غير أنه تعذر الوصول إليه بغير وسطاء وشفعاء فاعتقد بالأرواح وبالجن وعبد الأصنام لتكون واسطة تقربه إلى الله١.

أما كيف خلق الله الأرض والسماوات وكيف نشأ الكون، فذلك ما لم يتعرض له القرآن الكريم حكاية على لسان الجاهليين. ولذلك لا نعرف رأي أولئك القوم الذين عاصروا الرسول وعاشوا قبيل الإسلام في كيفية ظهور الوجود وخلق الكون.

ويفهم من بعض الأخباريين أن من الجاهليين من كان يرى أن خالقًا خلق الأفلاك، غير أنها تحركت أعظم حركة فدارت عليه وأحرقته؛ لأنه لم يقدر على ضبطها وإمساك حركتها، وأن منهم من كان يقول: "إن الأشياء ليس لها أول البتة، وإنما تخرج من القوة إلى الفعل. فإذا خرج ما كان بالقوة إلى الفعل، تكونت الأشياء مركباتها وبسائطها من ذاتها لا من شيء آخر. وقالوا إن العالم لم يزل ولا يزال ولا يتغير ولا يضمحل مع فعله. وهذا العالم هو الممسك لهذه الأجزاء التي فيه"٢. وهذا كلام إن صح أنه من كلام الجاهليين ومن مقالاتهم، فإنه يدل على تعمق القوم في المقالات، وعلى أن لهم رأيًا وفلسفة في الدين، وأنهم لم يكونوا على الصورة التي يتخيلها معظمنا عنهم، وهي الصورة التي رسمها لهم أهل الأخبار في أثناء كلامهم العام عن الجاهليين.


١ بلوغ الأرب "٢/ ١٩٤ وما بعدها".
٢ بلوغ الأرب "٢/ ٢٢٠ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>