للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} ١. {إِنَّ هَؤُلاءِ لَيَقُولُونَ، إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ، فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} ٢

والآيات المتقدمة وأمثالها٣ كلها حكاية عن رأي كثير من الجاهليين في نفي البعث وفي عدم إمكان العودة إلى حياة أخرى بعد موت يهلك الجسم ويفني العظام فيجعلها رميمًا ويمحو كل أثر للجسم، لذا كان البعث من أهم ما عارض فيه الجاهليون معارضة قاسية شديدة، وكان من الموضوعات التي تندروا بها وسخروا وآخذوا عليها الرسول٤. وكانوا يقولون: "إن هي إلا موتتنا الأولى التي نموتها. وهي الموتة الأولى، وما نحن بمنشرين بعد مماتنا ولا بمبعوثين تكذيبًا منهم بالبعث والثواب والعقاب". وقالوا للرسول: "فأتوا بآبائنا الذين قد ماتوا إن كنتم صادقين إن الله باعثنا من بعد بلانا في قبورنا، ومحيينا من بعد مماتنا"٥ وقالوا: "أئذا متنا وكنا ترابًا وعظامًا أئنا لمبعوثين؟ يقولون منكرين بعث الله إياهم بعد بلائهم. أئنا لمبعوثون أحياء من قبورنا بعد مماتنا ومصيرنا ترابًا وعظامًا قد ذهب عنها اللحوم. أو آباؤنا الأولون الذين مضوا من قبلنا فبادوا وهلكوا؟ "٦.

وكان من محاججة قريش للرسول ومحاولتهم إفحامه وتعجيزه قولهم له يوم اجتمعوا به: "يا محمد؟ فإن كنت غير قابل منا شيئًا مما عرضناه عليك، فإنك قد علمت أنه ليس من الناس أحد أضيق بلدًا ولا أقل ماءً ولا أشد عيشًا منا. فسل٥ لنا ربك الذي بعثك بما بعثك به فليسير عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا، وليبسط لنا بلادنا وليفجر لنا فيها أنهارًا كأنهار الشأم والعراق. وليبعث لنا من مضى من آبائنا وليكن فيمن يبعث لنا منهم قصي بن كلاب، فإنه كان شيخ صدق، فنسألهم عما تقول، أحق هو أم باطل، فإن صدقوك وصنعت ما سألناك صدقناك وعرفنا به منزلتك من الله وأنه بعثك رسولًا كما


١ السجدة، رقم السورة ٣٢، الآية ١٠ وما بعدها، تفسير الطبري "٢١/ ٩٦"، روح المعاني "٢١/ ١١٢ وما بعدها".
٢ الدخان، رقم السورة ٤٤، الآية ٣٤ وما بعدها، تفسير الطبري "٢٥/ ٧٦ وما بعدها".
٣ هود ٧، المؤمنون ٨٢ وما بعدها، سبأ ٣ وما بعدها، الجاثية ٢٤ وما بعدها.
٤ الكشاف "١/ ٤٤٨"، "٢/ ٧٤، ١٨٩، ١٩٥ وما بعدها"، الطبرسي "٧/ ٣٩"، "١٤/ ٧٥"، "١٥/ ٥٨".
٥ تفسير الطبري "٢٥/ ٧٦"، "١/ ٧٨ وما بعدها".
٦ تفسير الطبري "٢٣/ ٣٠".

<<  <  ج: ص:  >  >>