للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن نسب إليه القول بالدهر، الحارث بن قيس، المعروف بابن الغيطلة١.

وتؤدي لفظة "الأيام" هذا المعنى كذلك، بل استعملت أجزاء اليوم مثل "الليالي" للتعبير عن تلك الفكرة أيضًا. فالليالي هي كالأيام، لا يمكن أن يطمأن إليها، ولا أن يوثق بها، إنها تتلون وتتبدل ولا تخلص لأحد. وحيث إن الليالي هي أوقات الراحة والاستقرار والهدوء، وأوقات الأنس والطرب والانفراد بالأحبة، وهي أوقات الغدر والاغتيال والغارات والغزو في الوقت نفسه، فيكون ذكرها في الشعر وتفضيلها على النهار وتقديمها عليه، ونسبة الخير أو الشر إليها أكثر من نسبتها إلى النهار شيئًا طبيعيًّا. لذلك يجب ألا يستغرب ما نقرؤه في الشعر وما نسمعه من أفواه الناس من نسبة تبدل الحال والتلون إلى الليالي أكثر من النهار٢.

وقد استعملت لفظة "عَوْض" في معنى الدهر والزمان. وردت في شعر شاعر من شعراء بكر بن وائل، فعبر بهذه اللفظة عن زمانه. واستخدام بكري لهذه الكلمة. يشير إلى الصنم "عوض" الذي كانت بكر قبيلة هذا الشاعر تتعبد له٣. وقد أقسموا بها. فقالوا: "عوض لا يكون ذلك أبدًا"٤، ولا أستبعد وجود صلة بينها وبين الصنم "عوض".

وأما "الحمام" فإنه قضاء الموت وقدره، يقال: "حُمَّ طه" أي قضى وقدر٥. وقد وردت لفظة "حم" ومتعلقاتها في أشعار عديدة بهذا المعنى. أي القضاء والتقدير. فورد "ما حم واقع" وورد "أحم الله...." و"حمه الله"، و"حمت لميقاتي"، و"حمتي"، و"حمام الموت"، و"حمام


١ أنساب "١/ ١٣٢".
٢
فأن تك غبراء الخبيبة أصبحت ... خلت منهم واستبدلت غير إبدال
بما قد رأى الحي الجميع بغبطة ... بها والليالي لا تدوم على حال
Caskel, S. ٤٥..
٣ "وعوض معناه أبدًا أو الدهر. سمي به لأنه كلما مضى جزء عوضه جزء أو قسم أو اسم صنم لبكر بن وائل"، والقاموس "٢/ ٣٣٧"، قال الأعشى:
حلفت بمائرات حول عوض ... وأنصاب تركن لدى السعير
وقيل إن هذا الشعر لرشيد بن رميض العنزي. والسعير اسم صنم كذلك. تاج العروس "٥/ ٥٨ وما بعدها"، "عوض".
٤ تاج العروس "٥/ ٥٨"، "عوض".
٥ تاج العروس "٨/ ٢٥٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>