للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانوا يعبدونها"١. وقد وبخهم القرآن الكريم على قولهم هذا، واستخف بأحلامهم وبما قالوه جهلًا وحماقة.

وذكر علماء التفسير أن كفار قريش قالوا: "الملائكة بنات الله. فسأل أبو بكر من أمهاتهن؟ فقالوا سروات الجن. يحسبون أنهم خلقوا مما خلق منه إبليس"٢. وأنهم قالوا: "إن الله وإبليس أخوان"، وأن بين الله وبين الجنة نسبًا٣. ولم يذكر علماء التفسير من قال هذا القول من كفار قريش. ولا كيف صارت الملائكة بناتًا لله، أو كيف اصطفى الله له البنات ولِمَ فضلهن على البنين؛ إذ لم يذكروا أن أهل الجاهلية نسبوا له ولدًا ذكرًا، ولم يذكروا هل اختار الله البنات اختيارًا من خلقه، أو من زواج؟ وقد رأيت أن رواية نسبت على قريش قولهم إن أمهات الملائكة سروات الجن، وذلك حين سألهم أبو بكر من أمهاتن٤.

ولا نجد في نصوص المسند إشارة إلى زواج الآلهة، وإلى وجود بنات لها وما قلناه من وجود آلهة ذكور، وآلهة أناث هو استنباط من وجود علامة التذكير "ذ" وعلامة التأنيث "ذت" في أسماء الآلهة. أما موضوع زواج القمر بالشمس، وظهور ولد ذكر منه هو عثتر" فهو من استنباط علماء العربيات الجنوبية ومن آرائهم التي استخلصوها من دراستهم للنصوص. فليس في المسند أي شيء عنه. وليس في المسند، أي شيء عن دين العرب الجنوبيين، وعن أساطيرهم في الآلهة وفي الخلق، ولا عن صلواتهم وأدعيتهم وكل ما يتعلق بالدين من أمور.

وكل اسم ورد في المسند استهل بلفظة "ذت"، "ذات" فيراد به الشمس، وهي إلهة، وكل لفظة بدأت بـ"ذ"، "ذي" فإنها تعني إلهًا، هو القمر أو عثتر. فنحن أمام ثالوث سماوي، يمثل عقيدة الجاهليين في الألوهية، كما يمثل عقيدة الساميين عمومًا. والثالوث السماوي هو نواة الألوهية عند جميع الساميين، ومنه أنبثقت عقيدة التوحيد فيما بعد.


١ تفسير الطبري "٢٣/ ٦٧ وما بعدها"، روح المعاني "٢٣/ ١٣٥".
٢ تفسير الطبري "٢٣/ ٦٩".
٣ المصدر نفسه.
٤ تفسير الطبري "٢٣/ ٦٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>