للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونظرًا لأن القمر هو الإله الذكر، صار بمنزلة الأب. فدعي بـ"أبم"، أي "أب". ونعت بمحب" فقيل له "ودم" "ود"؛ لأنه يحب عبيده ويشفق عليهم. وهو "كهلن"، أي القادر والقدير، وهو "حكم"، أي الحاكم والحكيم، وهو "سمعم"، أي السامع والسميع، وهو "علم"، أي العالم والعليم، والبصير المبصر، وهو "نهى"، أي الناهي١، وهو "صدق" الصادق الصديق المتعالي المنعم الكريم إلى غير ذلك من نعوت عرف بها ورمز بها إليه في النصوص.

ويجب أن ننتبه إلى أن الكتابات الجاهلية وكذلك أخبار أهل الأخبار، قد نصَّا على اسم الإلهة الشمس، فدعوها باسمها، أي الشمس. أما القمر، فلا نجد لاسمه الخاص ذكرًا يتناسب مع مقامه. نعم ذكر بـ"شهر" و"سين" في النصوص العربية الجنوبية. و"شهر" القمر في العربيات الجنوبية، ولا زال الناس يسمونه بهذه التسمية في جنوبي جزيرة العرب. لكننا نجد أسماءه المأخوذة من النعوت، أي من صفاته تطغى عليه. فهو "ود" في الغالب في النصوص المعينية. ويظن من لا علم عميق له بالعربيات الجنوبية، أنه اسم إله خاص، بينما هو اسم من أسماء عديدة للإله القمر عند شعب معين، وهو "المقه" أي المنير والنور عند السبئيين، أي صفة للقمر. وهكذا قل عن باقي أسمائه، فهي صفات له في الغالب لا اسم علم خاص به كما في حالة الشمس.

ونحن نجد هذه الظاهرة في روايات أهل الأخبار أيضًا. فبينما تنص أخبار أهل الأخبار على تعبد بعض العرب للشمس وعلى مخاطبتهم لها بـ" الإلاهة" وبـ"لاهة"٢. وعلى تعبد بعضهم لزحل أو للمشترى أو لغيرهما من الأجرام السماوية كما تحدثت عن ذلك في موضع آخر، لا نجد للقمر ذكرًا في أخبار أهل الأخبار. فلم يشيروا إلى اسمه ولا إلى تعبد الجاهليين له، حتى ليذهب الظن بعد تتبع جميع ما ورد في تلك الأخبار واستقصائها استقصاء تامًّا أن الجاهليين لم يعرفوا عبادة القمر. والظاهر أن أهل الأخبار كانوا في جهل من عبادة الجاهليين للقمر؛ بسبب ما شاهدوه من تعبد أهل مكة وغيرهم وكذلك القبائل إلى الأصنام وتقربهم


١ Handbuch, I. S. ٢١٥, D. Nielsen, Neue Katabanische Inschriften, s. ١٥.
٢ ابن الأجدابي "٧٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>