للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد هدم الإسلام عبادة الكواكب، وحرم السجود للشمس وللقمر، والصلاة لهما، وحاول اجتثاث كل ما له صلة بتلك العبادة، فلم يبق اليوم من العرب من يتعبد للثالوث السماوي المقدس. ولكننا لا نزال نرى بعض العوام يغضبون إذا سب أحدهم الشمس أو القمر، ويتقرب الأطفال إلى الشمس بأسنانهم التي يخلعونها؛ لتعطيهم أسنان غزال، أي أسنانًا جميلة بيضاء، إلى غير ذلك من أوابد يعرفها الأعراب.

وفي القرآن الكريم: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} ١. "فله فاسجدوا وإياه فاعبدوا دونهما، فإنه إن شاء طمس ضوءهما فترككم حيارى في ظلمة لا تهتدون سبيلًا ولا تبصرون شيئًا"٢. وقد خاطب الله قريشًا وغيرهم بذلك، مما يدل على أنهم كانوا يسجدون للشمس والقمر. ولعلهم كانوا يفعلون ذلك عند الشروق وعند الغروب. وقد ذكر "ابن كثير" في تفسيره الآية المذكورة، ما يأتي: {لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} أي "ولا تشركوا به فما تنفعكم عبادتكم له مع عبادتكم لغيره، فإنه لا يغفر أن يشرك به"٣.

والسجود الخضوع، ومنه سجود الصلاة، وهو وضع الجبهة على الأرض، والانحناء، وسجد طأطأ رأسه. وكان النصارى يسجدون لأحبارهم، أي سادتهم من رجال دينهم. و"المسجد" من الألفاظ المعروفة عند الجاهليين. وهو البيت الذي يسجد فيه، وكل موضع يتعبد فيه، فهو مسجد٤.


١ فصلت، رقم ٤١، الآية ٣٧.
٢ تفسير الطبري "٢٤/ ٧٧".
٣ تفسير ابن كثير "٤/ ١٠٢".
٤ قال حميد بن ثور:
فضول أزمتها أسجدت ... سجود النصارى لأحبارها
تاج العروس "٢/ ٣٧١" "سجد".

<<  <  ج: ص:  >  >>