للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحل مشكلاته، وذلك بتقديم مطالب مغرية تطمعها، وهدايا سارة تفرح بها، كما يفرح الإنسان عند تقديم أمثالها إليه، فيهش لصاحب الهدية ويرتاح له ويتقرب إليه، ويعد الهدية نوعًا من التقرب والتودد والتحبب، فمن واجب من أهديت إليه الهدية مقابلة المتودد بالمثل. وأما الحاجات التي كان يرجو الناذرون تحقيقها، فهي في الغالب الحصول على ثروة، أو صحة وعافية أو ذرية أو نصر وتوفيق. والناذر على يقين بالطبع من أن الإله الذي نذر له النذر قادر على تحقيق ذلك، وإلا لم يتقدم إليه بهذا النذر١.

ويدخل في باب النذور ما يأخذه المرء عهدًا على نفسه بتجنب الطيبات واللذيذ من العيش، أو بالابتعاد عن الناس واعتزالهم على نحو ما يفعله الرهبان والناسكون لأمد معين أو لأجل غير معلوم. ونجد أمثلة عديدة من هذا العهد في أخبار الجاهليين، كالذي ذكروه عن "امرئ القيس" من أنه قال حينما بلغه مصرع والده: "الخمر علي والنساء حرام حتى أقتل من بني أسد مائة وأجز نواصي مائة"٢، وكالذي رووه عن غيره من الجاهليين. وهي كلها من هذا الطراز. أخذ الشخص عهدًا على نفسه بألا يقرب امرأة أو يشرب خمرًا أو يضع طيبًا أو يقرب اللذائذ حتى يأخذ بثأره أو يتحقق ما نوى عليه، وقد يحدد ذلك بوقت بأن يعين أجل العهد٣.

وإذا كان النذر عهدًا، كان من اللازم تنفيذ العهد؟ فإذا مات من أخذ عهدًا على نفسه بأن يفعل شيئًا لم يفعله، فعلى ورثته وقبيلته الوفاء بعهده. فإذا مات شخص كان قد نذر على نفسه الأخذ بثأر قتيل ولم يوفِ بعهده، بسبب موته، فعلى أهله وذوي قرابته وأفراد قبيلته الأخذ بالثأر. ولذلك كانت أحقاد الثأر تنتقل من الآباء إلى الأبناء فالأحفاد، وتستغرق أحيانًا زمنًا طويلًا حتى يؤخذ بالثأر. وقد نشأت عن هذه العهود مشكلات خطيرة في المجتمع الإسلامي في موضوع العهود التي يمكن تنفيذها والعهود التي لا يجوز تنفيذها، أو التي يسمح بعدم تنفيذها وفي مبلغ التبعة التي تترتب على الورثة في تنفيذ العهود٤.


١ Ency. Religi. ١٢, p. ٦٥٦.
٢ الأغاني "٨/ ٦٥"، "ذكر امرئ القيس ونسبه وأخباره".
٣ ابن هشام "٥٤٣"، ٤٢٨.Shorter Ency. P
٤ Shorter Ency. P. ٤٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>