للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سواد الناس. وتكاد تكون مفهوم الدين عندهم، وذلك لما فيها من تماس مباشر بأمور حياتهم ومصالحهم. فهم يفعلون ذلك لغايات استرضاء الآلهة والتوسل إليها بأن تعطيها غلة وافرة ومالًا، فكانوا إذا تقربوا إلى صنم أو دعوا ربهم أو أدوا مناسك حجهم "فلا يسألون ربهم" إلا متاع الدنيا "فمن الناس من يقول: ربنا آتنا في الدنيا. هب لنا غنمًا، هب لنا إبلًا"، "وكانوا -يعني في الجاهلية- يقفون -يعني بعد قضاء مناسكهم- فيقولون: اللهم ارزقنا إبلًا، اللهم ارزقنا غنمًا"، وفي هؤلاء نزلت الآية: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} ١.

والفقر هو الذي حمل هؤلاء على أن يتقربوا إلى آلهتهم بالنذور والقرابين وبالحج على فقرهم وجوعهم، على أمل أن تعطف الآلهة عليهم. فتمن عليهم بالمال واليسر والبركة والصحة، تمامًا كما يفعل شراء أوراق "النصيب" أو أوراق سباق الخيل من الفقراء والمحتاجين على أمل الربح والكسب.

وهذه النظرة المادية الساذجة، هي التي حملت عوامهم على تهديد آلهتهم وإخبارها أنهم سيمتنعون عن تقديم أي نذر أو أداء أية زيارة لها، إن لم تمن عليهم وتستجيب لأدعيتهم، فتنفذ طلباتهم وما طلبوه منها. وهي التي تحملهم بعد ذلك على التراجع عن تهديداتهم هذه وعلى الاستغفار وإظهار الندم لها، لما بدر منهم من سوء أدب، على أمل استرضائها من جديد، بعد أن فشلت وسائل التهديد من تخويف تلك الآلهة.


١ البقرة، الآية ٢٠٠، تفسير الطبري "٢/ ١٧٤ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>