للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصحاب التطاول، كانوا لا يؤمنون على الحرم، ولا يرون للحرم حرمة، ولا للشهر الحرام قدرًا. وقد كانوا خطرًا يهدد البيت وأهله لذلك، ألف "هاشم بن قريش وسادات القبائل ألفة ليحمي بهم البيت. قال "الجاحظ" في تفسيره للإيلاف: "وقد فسره قوم بغير ذلك. قالوا: إن هاشمًا جعل على رءوس القبائل ضرائب يؤدونها إليه ليحمي بها أهل مكة. فإن ذؤبان العرب وصعاليك الأحياء وأصحاب التطاول. كانوا لا يؤمنون على الحرم. لا سيما وناس من العرب كانوا لا يرون للحرم حرمة ولا للشهر الحرام قدرًا، مثل طيء وخثعم وقضاعة وبعض بلحارث بن كعب"١. ورءوس القبائل الذين جعل هاشم عليهم ضرائب يؤدونها إليه ليحمي بها أهل مكة، هم رؤساء مكة ولا شك، ومن كانت له مصلحة تجارية مباشرة بمكة، فكان يأخذ من هؤلاء ما يأخذه ثم يجمعه ويعطيه إلى "المؤلفة قلوبهم" من سادات القبائل النازلين حول مكة وعلى مقربة منها، كما ألف بين مكة وبين سادات القبائل الذين تمر قوافل مكة بأرضهم في طريقها إلى الشأم أو العراق أو اليمن. بروابط "الإيلاف"، أي العقود التي عقدها معهم، بإعطائهم جعلًا معينًا، أو حقوقًا تبين وتكتب، أو ربحًا يدفع مع رءوس المال عن البضائع التي تدفع لقريش لتقوم قوافلها ببيعها في الأسواق. وبذلك أمنت مكة وسلمت تجارتها. ودانت بعض القبائل بدين قريش في الأشهر الحرم، لما فيها من فائدة ومنفعة مادية بينة ظاهرة، فاحترمتها، وبهذا أمن الحج واستراح التجار من قريش ومن غيرهم في ذهابهم بحرية وبأمان في هذه الشهور إلى الأسواق.

وليست لدينا ويا للأسف أخبار مدونة عن مناسك الحج وشعائره عند الجاهليين. لعدم ورود شيء من ذلك في النصوص الواردة إلينا، ما خلا الحج إلى "بيت الله الحرام" بمكة، حيث حفظت الموارد الإسلامية لنا شيئًا من ذلك؛ بسبب فرض الحج في الإسلام، وإقرار الإسلام لبعض شعائره التي لم تتعارض مع مبادئه ولولا ذلك لما عرفنا شيئًا عن الحج إلى مكة عند الجاهليين. ولهذا فسأقتصر في كلامي هنا على الحج إلى مكة فقط. إلا إذا وجدت خبرًا أو نصًّا عن حج غير


١ رسائل الجاحظ "٧٠"، Kister, p. ١١٩. ١٤٣. طبقات الشعراء، لابن سلام "٦١"، الثعالبي، المضاف والمنسوب "٨٩" النقائض "٢/ ٦٧١"، ابن هشام "١/ ٦٠٣"، الأزمنة والأمكنة، للمرزوقي "٢/ ١٦٦"، الأغاني "٢١/ ٤٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>