للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عندئذ له مستقرًّا دائمًا ومقامًا ثابتًا، ويصير عندئذ في عداد الأصنام الثابتة. ويكون للصنم عندئذ معبد تتناسب قيمته وأهميته ودرجة عمرانه مع مكانة القبيلة وعدد رجالها وغناها وما عندها من مال.

وللعين أهمية كبيرة في تقييم المعبد وفي نشر العبادة وفي تكوين شخصية الإله رب المعبد فيما بين الناس فكما أن قيمة الإنسان بملبسه وبأناقته وبحسن مظهره، كذلك تكون قيمة المعبد بضخامته وبما يزين به من نقوش وزخارف وبما يعلق على الموضع المقدس منه من ذهب وفضة وأحجار كريمة فالمعبد الضخم، يدل على قوة الإله وقدرته في نظر من ينظر بعينه لا بعقله إلى قيم الأمور، أي في نظر السواد، وهم الكثرة الغالبة، ولذلك يجلبهم إليه، وتلقى ضخامته في نفوسهم تأثيرًا كبيرًا يجعلهم يشعرون أنهم أمام بيت إله حقًّا، لما فيه من روعة ولما تفوح في داخله من روائح البخور والطيب، لذا حرص رجال الدين على جعل معابدهم ضخمة فخمة؛ لتجلب لها أكبر عدد ممكن من المتعبدين.

ومن أشهر المواضع المرتفعة التي حج إليها المتعبدون للتبتل والتعبد، والتي ورد ذكرها في قصص أهل الأخبار: حراء، وأبو قبيس، وثبير.

أما "حراء" فقد ورد في بيت منسوب إلى شاعر جاهلي:

فإني والذي حجت قريش ... محارمه، وما جمعت حراء١

وجعل أحد الأجبل الخمسة التي بُني من حجارتها البيت٢. وإليه كان يلجأ كبار قريش لدعوة آلهتهم في الملمات، وإليه أيضًا كان يأتي بعض المتحنثين النساك الزاهدين في عبادة الأوثان للتفكير والتأمل. وفيه غار تحنث فيه النبي، ويعرف بـ"جبل النور"٣. وورد أن أبا طالب أرسل عقيلًا ليأتي بالرسول إليه، فذهب إلى "كبس"، وأخرجه منه. والكبس الغار٤. ويظهر أنه أراد به غار حراء.


١ البكري "٢/ ٤٣٢"، "حراء" هو "عوف بن الأعوص"، العامري، شرح ديزان لبيد "٢١".
٢ الأزرقي، أخبار مكة "١/ ٢٦"، "ما ذكر من بناء إبراهيم عليه السلام الكعبة".
٣ تاج العروس "١٠/ ٨٧"، "حرو".
٤ تاج العروس "٤/ ٢٣٩"، "كبس".

<<  <  ج: ص:  >  >>