من خرج حمله: وقدح فيه "نعم" للأمر، إذا أرادوه يضرب به في القداح، فإن خرج قدح فيه نعم، عملوا به، وقدح فيه "لا"، فإذا أرادوا الأمر ضربوا به في القداح، فإذا خرج ذلك القدح. لم يفعلوا ذلك الأمر. وقدح فيه "منكم"، وقدح فيه "ملصق"، وقدح فيه "من غيركم"، وقد فيه "المياه" فإذا أرادوا أن يحفرون للماء ضربوا بالقداح، وفيها ذلك القدح، فحيثما خرج به، عملوا به. وكانوا إذا أرادوا أن يختنوا غلامًا أو ينكحوا منكحًا أو يدفنوا ميتًا أو شكوا في نسب أحدهم، ذهبوا به إلى هبل وبمائة درهم وجزور، فأعطوها صاحب القداح الذي يضرب بها، ثم قربوا صاحبهم الذي يريدون به ما يريدون، ثم قالوا: يا إلهنا فلان، أردنا به كذا وكذا، فأخرج الحق فيه. ثم يقولون لصاحب القداح: اضرب، فإن خرج عليه "منكم" كان منهم وسيطًا، وإن خرج عليه من "غيركم" كان حليفًا، وإن خرج عليه "ملصق"، كان ملصقًا على منزلته فيهم لا نسب له ولا حليف، وإن خرج عليه شيء مما سوى هذا مما يعملون به "نعم" عملوا به، وإن خرج "لا" أخروه عامه ذلك، حتى يأتوا به مرة أخرى، ينتهون في أمرهم ذلك إلى ما خرجت به القداح١.
وهكذا كانت قريش والقبائل التي تحج إلى مكة تأتي على هبل لاستشارته في قضايا تهمها. فما يخرج في القداح مما هو مكتوب، يكون الجواب. غير أن بعض الأجوبة قد يأتي على خلاف رغبة السائلين، ولذلك كانوا يغرون الضارب على القداح بالضرب إلى أن يخرج القداح الذي فيه يريدون ويشتهون وقد يؤخرون ذلك بعض الوقت. وهم يفسرون النتيجة التي تظهر أنها رغبة الصنم وإرادته بوحيها، فتظهر بالقداح.
وذو الخلصة من الأصنام التي كان يستقسم عندها كذلك. وإلى هذا الصنم ينسب قول أحد الشعراء لهذه الأبيات:
لو كنت يا ذا الخلصة الموتورا ... مثلي وكان شيخك المقبورا
لم تنه عن قتل العُداة زورا
١ الأزرقي "١/ ٦٨ وما بعدها"، الطبري "٢/ ١٧٢ وما بعدها".