فإنها تختلف أيضًا في أمور كثيرة، هي أكثر من مواطن الاشتراك والالتقاء، ففرق كبير إذن بين هذه الشعوب وبين القبائل العربية من حيث العروبة. ثم إن العروبة في نظري ليس بها حاجة إلى ضم هذه الشعوب إليها، لإثبات أنها ذات أصل تئول إليه؛ فقد أعطى الله تلك الشعوب تأريخًا ثم محاه عنهم، وأعطى العرب تأريخًا أينع في القديم واستمر حتى اليوم، ثم إن لهم من الحضارة الإسلامية ما يغنيهم عن التفتيش عن مجد غيرهم وعن تركاتهم، لإضافتها إليهم؛ فليس في العرب مركب نقص حتى نضيف إليهم من لم يثبُت أنهم منهم، لمجرد أنهم كانوا أصحاب حضارة وثقافة، وأن جماعة من العلماء ترى أنهم كانوا من جزيرة العرب، والرأي عندي أن العرب لو نبشوا تربة اليمن وبقيّة الترب لما احتاجوا إلى دعوة من يدعو إلى هذا الترقيع؛ فأنا من أجل هذا لا أستطيع أن أضم أحدًا من هؤلاء إلى الأسرة العربية بالمعنى الاصطلاحي المعروف المفهوم، من لفظة العرب عندنا؛ إلا إذا توافرت الأدلة، وثبت بالنص أنهم من العرب حقًا، وأنهم كانوا في جزيرة العرب حقًا.
نعم، لقد قلت إن مصطلح الشعوب العربية هو أصدق اصطلاح يمكن إطلاقه على تلك الشعوب، وإن الزمان قد حان لاستبدال مصطلح "عربي" و"عربية" بـ"سامي" و"سامية"، وقلت أشياء أخرى شرحتها في الجزء الثاني من الكتاب السابق في تعليل ترجيح هذه التسمية١. ولكن لم أقصد ولن أقصد أن تلك الشعوب هي قبائل عربية مثل الشعوب والقبائل العربية المعروفة. فالسامية وحدة ثقافية، اصطلح عليها اصطلاحًا، والعروبة وحدة ثقافية وجنسية وروابط دموية وتأريخية، وبين المفهومين فرق كبير.
إن مما يثير الأسف -والله- في النفوس أن نرى الغربيين يعنون بتأريخ الجاهلية ويجدّون في البحث عنه والكشف عن مخلفاته وتركاته في باطن الأرض، ونشره بلغاتهم، ولا نرى حكوماتنا العربية ولا سيما حكومات حزيرة العرب، إلا منصرفة عنه، لا تعنى بالآثار العناية اللازمة لها، ولا تسأل الخبراء رسميًا وباسمها البحث عن العاديات والتنقيب في الخرائب الجاهلية لاستخراج ما فيها من كنوز، وجمعها في دار للمحافظة عليها ولاطلاع الناس عليها. وقد يكون عذر هذه الحكومات