للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أشير إلى "الحنيفية" و"الحنفاء" في كتب الحديث١. وقد بحث عنها شراح هذه الكتب. ومما نسب إليه حديث: "لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية، ولكني بعثت بالحنيفية السمحة" ٢. وحديث: "بعثت بالحنيفية السمحة السهلة" ٣. وحديث "أحب الأديان إلى الله تعالى الحنيفية السمحة" ٤.

ويذكر أهل الأخبار أن الجاهليين جميعًا كانوا قبل عمرو بن لحي الخزاعي على دين إبراهيم. كانوا موحدين يعبدون الله جل جلاله وحده، لا يشركون به ولا ينتقصونه. فلما جاء عمرو بن لحيي، أفسد العرب، ونشر بينهم أضاليل عبادة الأصنام، بما تعلمه من وثني بلاد الشام حين زارهم، وحل بينهم، فكان داعية الوثنية عند العرب والمبشر بها ومضلهم الأول. وهو على رأيهم موزع الأصنام بين القبائل، ومقسمها عليها. فكان من دعوته تلك عبادة الأوثان، إلى أن جاء الإسلام فأعاد العرب إلى سواء السبيل، إلى دين إبراهيم حنيفًا، وما كان إبراهيم من المشركين٥.

ولقد فشت دعوة عمرة بن لحي وانتشرت، حتى دخل فيها أكثرهم، والضلال سريع الانتشار، وقل عدد من حافظ على دين إبراهيم والمراعي لأحكام دين التوحيد الحنيف: من اعتقاد بوجود إله واحد أحد، وطواف بالبيت، وحج إليه، وعمرة، ووقوف على عرفة وهدي للبدن، وإهلال بالحج والعمرة، وغير ذلك. فلم يبق منهم إلا عدد محدود في كل عصر إلى زمن البعثة المحمدية٦.

ولسنا نملك ويا للأسف شيئًا من الجاهلية يعيننا في الوقوف على عقائد الأحناف ودينهم، فليس في كتابات المسند ولا في الكتابات الجاهلية الأخرى، بل ولا في كتب اليونان واللاتين شيء عن عقيدتهم وعن آرائهم، لذلك اقتصر علمنا بأحوالهم على ما جاء في المؤلفات الإسلامية وحدها، والفضل في حفظ أخبارهم للقرآن


١ راجع ونسنك: المعجم المفهرست لألفاظ الحديث النبوي الشريف، حيث تجد الإشارة إلى تلك الأحاديث.
٢ مسند أحمد بن حنبل "٤/ ١١٦"، "٦/ ٣٣".
٣ اللسان "٩/ ٥٦ وما بعدها".
٤ مجمع البيان، للطبرسي "١/ ٢١٥ وما بعدها"، "أحب الدين إليَّ الحنيفية السمحة"، الإصابة "١/ ٥١"، "رقم ١١٤".
٥ اللسان "١٠/ ٤٠٣"، بلوغ الأرب "٢/ ١٩٥".
٦ بلوغ الأرب "٢/ ١٩٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>