الكريم، فإن ذلك يدل على أن الرسول أخذ من "أمية"، لأن أمية أقدم من الرسول١. وهذا الافتراض مقبول كما لو أثبتنا أن هذا النظم شعر أصيل صحيح، وإنه نظم قبل نزول مشابهه في القرآن الكريم، وإنه لم يضف إليه في الإسلام، فإن أثبتنا إنه له، جاز لهما مثل هذا الادعاء.
وأما الرأي الثالث -وأعني به رأي من يرجع التشابه بين شعر أمية وما ورد من مثل معانيه في القرآن الكريم إلى أخذ الاثنين من التوراة والإنجيل وتفاسيرهما، وإلى بعض "الصحف" و"المجلات" التي أشير إلى وجودها عند العرب- فهو رأي قديم، وليس بجديد. رأي قيل عن الوحي كله، لا عن القرآن وشعر أمية أو غير أمية، قبل أن يخلق المستشرقون بأكثر من ١٣٠٠ سنة، فقد زعم "إن النبي يتعلم من غلام نصراني اسمه جبر!! ". وقد أشير إلى هذا الزعم في كتاب الله، وجاء الرد عليه في قوله تعالى:{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} . فلم يخف القرآن الكريم ذلك الطعن والمغمز، ولم يتجاهل المفسرون اسم من قيل إنه كان يعلمه، فذكروا جبرا هذا، وكان غلاما مقيما بمكة، وقال بعضهم بل هو رجل رومي اسمه غير ذلك.
ولو كان الرسول وأمية قد أخذ من منهل واحد، واستقيا من مورد واحد، لما سكتت قريش عن القول به، ولما سكت أمية نفسه وهو الغاضب الحاقد على الرسول عن الجهر به. وكيف يعقل سكوته عن هذا، وهو أمر مهم جدًّا بالنسبة إليه. وسيف يحارب به الإسلام؟ ولما سكت مسيلمة ومن كان على شاكلته من المتنبئين من الإشارة إليه في أثناء حروب الردة، وقد كانت فرصة سانحة لإطهار هذه المقالة. ولما سكت "يوحنا الدمشقي" وأمثاله من التلميح إلى ذلك، وقد لمح بأمور كثيرة في طعنه في الإسلام.
ثم إن هذا التشابه، على ما يتبين من نقده وتمحيصه، ليس من نوع ما يحصل عن أخذ شخصين مستقلين من مورد معين، إنما هو من قبيل ما يحدث من اعتماد أحد الشخصين على الآخر، بدليل ورود أمور في القرآن الكريم،
١ ديوان أمية "ص٧"، "المقدمة الألمانية" "تحقيق فردرش شولثيس"، بروكلمن "١/ ١١٣". CI Huatrt GA X VoI IV ١٩٠٤ P١٢٢٥