للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكأس لا تصدع شاربيها ... يلذ بحسن رؤيتها النديم

تصفق في صحاف من لجين ... ومن ذهب مباركة رذوم١

ثم احكم بعد ذلك على صاحب هذه الأبيات. لقد حاول ناظمها إدخال بعض الكلمات الجاهلية فيها، لإلباسها ثوبا جاهليا، ولإظهارها بمظهر الشعر الجاهلي الأصيل، ولكنه لم يتمكن من ذلك، بل صيرها في الواقع نظما لوصف الجنة والنار في الإسلام، وما بي حاجة إلى أن أحيلك على الآيات التي أخذ منها صاحب هذا الشعر وصفه من القرآن الكريم.

ومن الغريب أن بعض الإخباريين اتخذ هذا النظم وأمثاله حجة لتبيان عقائد الجاهليين، فذكر مثلا أن العرب في جاهليتها كانت تؤمن بالجزاء، وأن منهم من نظر في الكتب وكان مقرا بالجنة والنار. وحجته في ذلك هذه المنظومة المنسوبة إلى أمية٢. وقد نسي أن ما قاله على سبيل التعميم أو التغليب، يناقض ما جاء في القرآن الكريم وما أورده الإخباريون عن الجاهليين.

ثم خذ قصيدته في عيسي بن مريم وحمل أمه به٣، وسائر قصائده الأخرى، تجد عليها هذه المسحة الإسلامية بارزة ظاهرة، ولكن هذا لا يمنع مع ذلك من القول بوجود أبيات قد تكون من نظم أمية حقًّا، في هذا المنظوم الديني، غير أن هذا الموجود، هو على كل حال مما لا يتعارض مع عقائد الإسلام. ومن الممكن إدراكه بدراسة ألفاظه وأسلوبه وأفكاره، وبهذه الطريقة نتمكن من استخلاص الأصيل من شعره من الهجين.

ولأمية بن أبي الصلت أخت، اسمها "فارعة"٤. قدمت على النبي بعد فتح الطائف، وكانت ذات لب وعفاف وجمال، وكان يعجب بها. وقال لها يوما: هل تحفظين من شعر أخيك شيئًا؟ فأخبرته خبره وقصت في شق جوفه


١ تجد اختلافا في كلمات هذه القصيدة وأبياتها، وكذلك في قصائد هذا الشاعر الأخرى، فارجع في ذلك إلى طبعات ديوانه وإلى كتب الأدب لمعرفة مواضع الاختلاف: كتاب البدء والتاريخ "١/ ٢٠٢ وما بعدها"، ديوان أمية "طبعة بشير يموت"، "ص٥٣" ديوان أمية "ص٥١ وما بعدها"، "طبعة فريدرش شولثيس".
٢ كتاب البدء والتاريخ "١/ ٢٠٢"، "طبعة كليمان هوار"، "النص العربي".
٣ ديوان أمية "ص٥٨"، "طبعة بشير يموت".
٤ اللسان "١/ ٧٩٢"، "وثب".

<<  <  ج: ص:  >  >>