للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن الناس، وحبسوا أنفسهم فيها، فلا يخرجون منها إلا لحاجة شديدة وضرورة ماسة١. يتحنثون فيها ويتأملون في الكون، يلتمسون الصدق والحق. والتحنث التعبد. فكانوا يتعبدون في تلك المواضع الهادئة الساكنة، مثل غار "حراء" وقد ذكر أن الرسول كان يتحنث فيه الليالي، يقضيها في ذلك الغار٢.

ويعبر عن التعبد ليلا بـ "التهجد" أيضًا. وذكر أن التهجد الصلاة ليلا. وقد كان الرسول يتهجد٣. والتهجد التيقظ والسهر بعد نومة من الليل. والهجود النوم عند العرب. ويظهر أن تفسير التهجد بالتعبد ليلا، إنما ورد من تفسيرهم لما ورد في القرآن الكريم: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} ٤. فخص العلماء التهجد بالتعبد ليلا.

ويعبر عن التعبد بالنسك، والنسك: العبادة والطاعة وكل ما يتقرب به إلى الآلهة. والنساك: المتعبدون. وقد كان الحنفاء من النساك أي المتعبدين. وعدوا الذبائح من النسك. وجعلوا النسيكة: الذبيحة٥. والذبائح، أي النسائك، هي من أهم مظاهر التعبد والزهد عند الجاهليين.

وممن نسب إلى النسك والرهبنة من الجاهليين "أبو عمر عامر عبد عمرو بن صيفي بن مالك بن النعمان"، أحد "بني ضبيعة بن زيد". وكان في الجاهلية يسمى "الراهب"، لأنه كان مترهبا، وقد كان من المقدمين بيثرب، إذ كان رأس الأوس فيها، فلما جاء رسول الله إلى المدينة، خاصمه، ثم خرج إلى مكة مباعدا له، ومعه خمسون غلاما من الأوس، واشترك مع قريش يوم أحد٦.


١ تاج العروس "٦/ ٢٠٣"، "عكف".
٢ تاج العروس "١/ ٦١٦""حنث".
٣ تاج العروس"٢/ ٥٤٣" "هجد".
٤ الإسراء، الآية ٧٩، تفسير الطبير "١٥/ ٩٥"، روح المعاني "١٥/ ١٢٧".
٥ اللسان "١٠/ ٤٩٨ وما بعدها" "نسك".
٦ نهاية الأرب "١٧/ ٨٩"، "ذكر غزوة أحد"، امتاع الإسماع "١/ ١١٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>