للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما كانت فلسطين امتدادا طبيعيا للحجاز، كان من الطبيعي اتصال سكانها بالحجاز، واتصال سكان الحجاز بفلسطين، وذهاب جاليات يهودية إلى العربية الغربية، للاتجار وللإقامة هناك، خاصة بعد فتوح الدول الكبرى لفلسطين واستيلائها عليها، وهجرة اليهود إلى الخارج. فكانت العربية الغربية لاتصالها بفلسطين من الأماكن الملائمة المناسبة لهجرة اليهود إليها، وإقامتهم فيها، ولا سيما عند مواضع المياه وفي الأرضين الخصبة الغامرة، غير إننا لا نستطيع، كما قلت، التحدث عن هجرة اليهد هذه إلى هذه الأنحاء حديثا علميا معززا بالكتابات وبالتواريخ.

ولم يترك يهود جزيرة العرب لهم أثرًا مكتوبا يتحدث عن ماضيهم فيها. وكل ما عثر عليه منهم، نصوص معدودة، وجدت في اليمن، لا تفصح بشيء ذي بال عن اليهود واليهودية. كذلك لم يصل إلينا أن أحدا من المؤلفين والكتبة العبرانيين ذكر شيئًا عن يهود الجاهلية. وليس لنا من تأريخ اليهود في جزيرة العرب إلا ما جاء في القرآن الكريم وفي الحديث وكتب التفسير والأخبار والسير. فمادتنا عن تأريخ اليهودية في العربية، لا ترتقي إلى عهد بعيد عن الإسلام.

لقد ذهب بعض المؤرخين المحدثين إلى أن اليهود كانوا في جملة من كان في جيش "نبونيد" يوم جاء إلى تيماء. فأقاموا بها وبمواضع أخرى من الحجاز بلغت "يثر". وأن هؤلاء اليهود أقاموا منذ ذلك الحين في تلك الأماكن واستوطنوا وادي القرى وأماكن أخرى إلى مجئ الإسلام. غير أن "نبونيد" لم يشر في أخباره المدونة إلى وجود اليهود في جيشه وإلى إسكانه لهم في هذه الأرضين كما أننا لم نعثر على كتابات تتحدث عن هذا العهد أو عن العند الذي سبقه أو الذي جاء من بعده، لذلك فإننا لا نستطيع أن نعزز هذا الكلام بنصوص وكتابات. وإن كنا لا نريد نفي احتمال مجئ اليهود إلى هذه الديار في عهد "نبونيد"، أو في عهد "بخت نصر"، أو قبل العهدين.

نعم، لقد عثر على عدد من الكتابات النبطية في الحجر وفي مواضع أخرى من أرض النبط وردت فيها أسماء عبرانية تشير إلى أن أصحابها من يهود، ويعود بعضها إلى القرن الأول للميلاد، ويعود بعض آخر إلى ما بعد ذلك مثل الكتابة التي يعود عهدها إلى سنة ٣٠٧ ميلادية، وصاحبها رجل اسمه "يحيى بر شمعون" أي "يحيى بن شمعون"١. غير أن هذه الكتابات شخصية، ولا تفصح بشيء


١ Islamic culture, vol, III, No. ٢, April ١٩٢٩, Judaeo-Arabic Relations in Pre-Islames Times, By Josef Horovity, P. ١٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>