للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو جبيلة إلى مقر مكله١.

غير أن اليهود ظلوا مع هذه الغلبة يتهاترون مع الأوس والخزرج ويعترضونهم ويتناوبونهم، فعمد مالك بن العجلان إلى الحيلة، فتظاهر أنه يريد الصلح معهم، وإنه عزم على تسوية العداوات وطمس الحزازات، وإنه لذلك يدعو رؤساءهم إلى طعام، ليتفاوضوا مع سادات قومه في أمر الصلح. فلما حضر رؤساء يهود، فتك بعشرات منهم ممن استجاب لدعوته، وفر أحدهم ليخبر قومه بما حدث، وحذر أصحابه الذين بقو، فلم يأت منهم أحد.

"فلما قتل مالك من يهود من قتل، ذلوا، وقل امتناهم، وخافوا خوفًا شديدًا، وجعلوا كلما هاجمهم أحد من الأوس والخزرج بشيء يكرهونه لم يمش بعضهم لبعض كما كانوا يفعلون قبل ذلك، ولكن يذهب اليهودي إلى جيرانه الذين هو بين أظهرهم، فيقول: إنما نحن جيرانكم ومواليكم، فكان كل قوم من يهود لجئوا إلى بطن من الأوس والخزرج يتعززون بهم" ومنذ ذلك الزمن لم يبق لليهود على هذه الأرضين سلطان٢.

وورد في رواية أخرى أن "مالك بن عجلان"، كان من الخزرج، وكان سيد قومه يومئذ، وكان على اليهود رجل منهم اسمه "الفطيون" ملك عليهم، واستبد بأمر الناس، وكان يهوديا ومن بني ثعلبة، وكان أمر سوء فاجرا، قرر ألا تدخل امرأة على زوجها إلا بعد دخولها عليه. فاغتاظ مالك من فعل الفطيون ومن استذلاله للعرب، ولما كان زفاف أخته لزوجها، وكان لا بد من ادخالها على "الفطيون" أولا ليستمتع بها، كبر ذلك عليه، فدخل معها في زي امرأة، فلما أراد "الفطيون" الخلو بها، وثب مالك عليه وعلاه بسيفه وقتله، وخلص قومه منه، وفر عندئذ إلى أبي جبيلة ملك غسان٣.

وتذكر هذه الرواية أن "جبيلة" لم يكن من غسان، بل كان من الخزرج، وكان عظيمًا ذا منزلة كبيرة في الناس، حتى صار ملكا على الغساسنة، ويرجح


١ الأغاني "١٩/ ٩٧ وما بعدها"، ابن خلدون "٢/ ٥٩٦"، أبوالفداء "١/ ١٢٣"، الكامل "١/ ٤٠١".
٢ الأغاني "١٩/ ٩٥ وما بعدها"، ابن الأثير الكامل "١/ ٤٠١ وما بعدها".
٣ ابن الأثير، الكامل "١/ ٤٠١"، وفي بعض الكتب "القطيون" بحرف القاف، وهو تحريف، المحبر "١١٣" جمهرة أشعار العرب "٢٤٣"، "القاهرة ١٩٢٦م".

<<  <  ج: ص:  >  >>