للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما يتبين ذلك من السند. ولما كان أكثر هذه الأسماء الواردة في عمود نسب "عدنان" محرفة، وكانت غير موجودة في التوراة، وإنما هي أسماء عبرانية ممسوخة أحيانًا؛ فإن هذا يدل على أن الرواة اليهود الذين كانوا يتحدثون بمثل هذه الأمور إلى ابن الكلبي ومحمد بن إسحاق وغيرهما ممن مال إلى الأخذ منهم، كانوا إما جهلة بما يتحدثون به، وإما كذابين أو ممن كانوا يحاولون التقرب إلى المسلمين بهذه التلفيقات لمآرب خاصة، أو ادعاءً للعلم, غير أننا لا نستطيع أن نبرئ هؤلاء الرواة أنفسهم من وصمة الجهل أو الكذب، ولا سيما أن الكلبي الذي تفرد برواية معظم هذه الأخبار. الجائز أنه كان يلجأ إلى أهل الكتاب ليأخذ منهم ما عندهم، ومن الجائز أنه كان يضيف إليها، أو يخترع من عنده؛ ليتحدث به إلى الناس, وإلا فإن من الصعب صدور هذا الخلط من رجل ثقة يعي ما يقول.

وقد استغل نفر من أهل الكتاب مثل اليهودي التدمري المذكور، الذي أسلم كما يقول الرواة، هذا الجشع الذي ظهر بين أهل الأخبار في البحث عن الأنساب القديمة، أنساب أجداد العرب القدامى، فصنعوا ما صنعوا من أسماء عليها مسحة توازنية، قدموها إليهم على أنها مذكورة في التوراة, وقد أخذها الرواة على عادتهم من غير بحث ولا مراجعة للتوراة, وما الذي يدفعهم إلى البحث والمرجعة، فإن كل ما يطمعون به ويريدونه هو الحصول على مادة يظهرون بها على أقرانهم من أهل الرواية والأخبار.

ولم يرد اسم "عدنان" في النصوص الجاهلية، ولا في المؤلفات "الكلاسيكية", أما في الشعر الجاهلي، فقد ورد في شعر ينسب إلى "لبيد"، وفي شعر آخر ينسب إلى "عباس بن مرداس". "ولم يجاوز أبناء نزار في أنسابها وأشعارها عدنان, اقتصروا على معد، ولم يذكر عدنان جاهلي قط غير لبيد ... وقد يروى لعباس بن مرداس بيت في عدنان"١. وهذا يدل على أن "عدنان" لم يكن


١ ممن ذكر عدنان من شعراء الجاهلية، لبيد. قال:
فإن لم تجد من دون عدنان والدًا ... ودون معد, فلتزعك العواذل
وفي ديوان "لبيد"، تحقيق إحسان عباس الكويت ١٩٦٢م، باقيا في موضع والدا "ص٢٥٥".
وعباس بن مرداس، قال:
وعك بن عدنان الذين تلعبوا ... بمذحج حتى طردوا كل مطرد
وفي رواية "بغسان"، مكان "بمذحج"، ابن سلام، طبقات الشعراء "ص٥".
ابن هشام "١/ ٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>