للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كانت في مكة عند ظهور الإسلام جالية كبيرة كثيرة العدد من العبيد، عرفوا بـ "الأحابيش". وبين هؤلاء عدد كبير من النصارى، استوردوا للخدمة وللقيام بالأعمال اللازمة لسراة مكة. وقد ترك هؤلاء الأحابيش أثرًا في لغة أهل مكة، يظهر في وجود عدد من الكلمات الحبشية فيها في مثل المصطلحات الدينية والأدوات التي يحتاج إليها في الصناعات وفي الأعمال اليدوية التي يقوم بأدائها العبيد. وقد أشار العلماء إلى عدد من هذه الكلمات ذكروا أنها تعربت، فصارت من الكلام العربي. وقد أشاروا إلى ورود بعضها في القرآن الكريم وفي الحديث١.

ويشير أهل الأخبار إلى ورود بعض الرهبان والشماسة إلى مكة. وقد كان من بينهم من يقوم بالتطبيب. وقد ذكر الإخباريون أن شماسا كان قد قصد مكة، فعجب الناس به، وقد سموا أحدهم به، هو عثمان بن الشريد بن سويد بن هرمي بن عامر بن مخزوم، فقالوا له: "شماس"٢.

وذكر "اليعقوبي"، أن ممن تنصر من أحياء العرب، قوم من قريش من بني "أسد بن عبد العزى"، منهم "عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى"٣. وقد ورد في بعض الأخبار إنه قدم على قيصر، فتنصر، وحسنت منزلته عنده. وأن قيصر ملكه على مكة. ومنحه براءة بذلك، واعترف به. وقد سبق أن تحدثت عنه في أثناء كلامي على مكة. وقد ذكرت أن من الصعب تصور بلوغ نفوذ القيصر هذا الحد من جزيرة العرب, فلم يتجاوز نفوذ الروم الفعلي في وقت ما من الأوقات أعالي الحجاز. ولكن ذلك لا يمنع من تقرب السادات وتزلفهم إلى عمال الروم وموظفيهم في بلاد الشام، بإظهار إنهم من المخلصين لهم المحبين للروم، وإنهم من كبار السادات ذوي المكانة والنفوذ، للحصول على مكاسب مادية ومعنوية منهم، تجعل لهم مكانة عند أتباعهم وجاها ومنزلة ونفوذا على القبائل الأخرى. وقد كان الروم يعرفون ذلك معرفة جيدة، بفضل دراستهم لنفسية الأعراب، ووقوفهم على طبائع سادات القبائل، فكانوا يشجعون هذا النوع من التودد السياسي لكسب العرب وجرهم إلى جانبهم.


١ "فقال: يا أم خالد، هذا سناه وسناه بالحبشية حسنة"، أسد الغابة "٥/ ٥٧٩"، المعرب "٢٠٢، ٣٠٣، ٣٥٢"، صحيح مسلم "٢/ ١٨٩".
٢ ابن هشام "٢/ ٣٢٩"، "من حضر بدرا من بني مخزوم"، المشرق، السنة الخامسة والثلاثون "١٩٣٧ "ص٩٠ وما بعدها"، كتاب نسب قريش "٣٤٢".
٣ اليعقوبي "١/ ٢٢٧"، "أديان العرب".

<<  <  ج: ص:  >  >>