للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دخول النصرانية العربية الجنوبية. وما لدينا من كتابات مما له بعض العلاقة بالنصرانية إنما دون في الحقبة المتأخرة من تأريخ اليمن، وفي أيام الحبشة في اليمن، وهو ساكت في الجملة عن المبدأ وعن المبشرين بالنصرانية في العربية الجنوبية. فليس لدينا من بين نصوص المسند في هذا الباب عو ولا سند.

وليس لنا إذن إلا أن نفعل ما فعلناه بالنسبة إلى اليهودية، فنرجع إلى الموارد الإسلامية والنصرانية لنرى رأيها في هذا الباب.

وتزعم الموارد الإسلامية أن الذي نشر النصرانية في اليمن رجل صالح من بقايا أهل دين عيسى اسمه "فيميون١" Faymiyion= Phemion، وكان رجلا زاهدا في الدنيا مجاب الدعوة سائحا ينزل القرى لا يعرف بقرية إلا خرج منها إلى قرية لا يعرف فيها، وكان لا يأكل إلا من كسب يده، وكان بناء يعمل الطين وكان يعظم الأحد: إذا كان الأحد لم يعمل فيه شيئًا. ففطن لشأنه في قرية من قرى الشام رجل من أهلها اسمه "صالح"، وفأحبه واتبعه على دينه ورافقه. وانصرف ومعه صالح من ضواحي الشام حتى وطئا بعض أرض العرب، فعدا عليهما، فاختطفتهما سيارة من بعض العرب، فخرجوا بهما حتى باعوهما بنجران. وأهلها من بني الحارث بن كعب من بني كهلان. وكانوا يعبدون العزى على صورة نخلة طويلة بين أظهرهم. فابتاع رجل من أشرافهم "فيميون"، وابتاع رجل آخر صالحا، وقد أعجب صاحب فيميون به، لما رآه فيه من صلاح وورع، فآمن بدينه، وآمن أهل نجران منذ ذلك الحين بالنصرانية لمعجزة قام بها "فيميون"، حينما دعا الله يوم عيد العزى أن يرسل عليها ريحا صرصرا عاتية تختى عليها. فأتت الريح عليها فجعفتها من أصلها فألقتها، فآمن بدينه أهل نجران. فمن هنالك كانت النصرانية بنجران٢. ويذكر الطبري أن أهل نجران كانوا يعيدون كل سنة، "إذا كان ذلك العيد علقوا عليها كل ثوب حسن وجدوه، وحلي النساء. ثم خرجوا، فعكفوا عليها يوما"٣.

ويظن أن "فيميون" كلمة يونانية في الأصل حرفت من أصل Euphemion


١ "فيميون" "قميون" "ميمون".
٢ الطبري "٢/ ١٠٣ وما بعدها"، ابن هشام "٢٠ وما بعدها"، الكامل، لابن الأثير "١/ ١٧١"، البيضاوي "٢/ ٣٩٥"، ابن خلدون "٢/ ٥٩".
٣ الطبري "٢/ ١٢٠ وما بعدها"، "دار المعارف".

<<  <  ج: ص:  >  >>