للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكرت كتب الحديث والسير واللغة أن قريشًا دعت النبي صابئا، وفي جملة من دعاه بذلك عمر قبل إسلامه، ثم رمي عمر بها بعد إسلامه أيضًا. ولما أسلم أبو ذر الغفاري، انهال عليه أهل مكة بالضرب، لأنه صبأ وفتن وخرج عن دينهم. ولما أرادت زوج مطعم بن عدي خطبة ابنة أبي بكر إلى ابنها، ذكرت له أنها تخشى أن يؤثر على ولدها، فيكون من الصباة. وقد كانت لفظة الصباة والصباء بمعنى مسلمين عند المشركين، ففي معركة حنين نجد "دريد بن الصمة" يخاطب أحد رءوس القوم ويقول له في جملة ما قاله: "ثم ألق الصباء على متون الخيل"١. ولما أرسل بنو عامر لبيدا إلى النبي ليرى خبره وعلمه، أسلم، وأصابه وجع شديد من حمى، فرجع إلى قومه بسبب تلك الحمى، وجاءهم بذكر البعث والجنة والنار، فقال صرافة بن عوف بن الأحوص:

لعمر لبيد إنه لابن أمه ... ولكن أبوه مسه قدم العهد

دفعناك في أرض الحجاز كأنما ... دفعناك فحلا فوقه قرع اللبد

فعالجت حماه وداء ضلوعه ... وترنيق عيش مسه طرف الجهد

وجئت بدين الصابئين تشوبه ... بألواح نجد بعد عهدك من عهد

وإن لنا دارا زعمت ومرجعا ... وثم إياب القارضين وذي البرد

فكان عمر يقول: "وايم الله إياب القارضين وذي البرد٢". فقصد الشاعر بجملة "دين الصابئين" الإسلام، فالصابئون في نظر المشركين هم المسلمين.

ولما ذهب سعد بن معاذ إلى معركة، أنبه أبو جهل على قدومه إليها بعد أن دخل في دين الصابئين. ولما قدم خالد بن الوليد على بني جذيمة، نادوه بأنهم صبئوا، أي دخلوا في الإسلام٣. ويلاحظ أن الوثنيين أطلقوا هذه التسمية على كل من أسلم، وعلى كل من شكوا فيه ورأوا أنه ميال إليهم، فكانوا يرمونه بهذه التهمة. أما المسلمون، فلم يرتاحوا إليها. والظاهر إنها كانت سبة بالنسبة إليهم في ذلك العهد، بدليل إنهم كانوا يكذبون من كان يطلقها من المشركين عليهم ويرد عليهم ردا شديدا، فلما نادى جميل بن معمر الجمحي في قريش:


١ الطبري "١/ ١٢٦"، "معركة حنين".
٢ الأغاني "١٥/ ١٣١ وما بعدها" "خبر لبيد في مرثية أخيه".
٣ لقد جمع "ولهوزن" أكثر المواضع التي أطلق الوثنيون فيها هذه اللفظة على المسلمين، راجع كتابة: Reste S ٢٣٦

<<  <  ج: ص:  >  >>