للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديث النبوي والأخبار من أثر الجن في نفوس القوم، حتى تصوروهم آلهة وشركاء للأرباب في إدارة دفة هذا الكون.

هذا، ونحن إن ذكرنا الأرواح، فإننا لا نقصد المعنى المفهوم منها في رأينا، بل نقصد هذا المعنى وشيئًا آخر أعم وأوسع منه، معنى يشمل أيضًا بعض الأحجار والأشجار والآبار والكهوف وأمثال ذلك من أشياء تصور أهل الجاهلية إ، ما تكمن فيها قوة خارقة تستطيع التأثير في حياة الناس، فتقربوا إليها بالزيارات والقرابين وبالتضرع والتوسل والأدعية لقدسيتها ولتلك القدرة العجيبة التي فيها، فهي من حيث النفع أو الضرر كالأرواح: لوجود قوى خارقة غير منظورة فيها، هي من الأرواح، فتقرب إليها الإنسان لذلك، لغرض الاستفادة منها أو دفع أذاها.

وطبيعة الأرواح، طبيعة غير مرئية ولا منظورة، هي لطيفة خفية مستورة. إنما يجوز لبعضها الظهور في سورة أشباح، والتجسم على هيأة الأجساد. ثم إنها على طبيعتين: شريرة وخيرة، خبيثة وصالحة. من الطبيعة الأولى الشياطين وبعض أنواع الجن، ومن الطبيعة الثانية الملائكة والشطر الثاني من الجن. وأثر الخبيث من الأرواح أوضح وأكثر في عقلية أهل الجاهلية من أثر الفريق الصالح. وهو شيء منطقي مفهوم، فالإنسان إلى الشر أقرب منه إلى الخير، ذلك أن من طبع الخير عدم إلحاق الأذى بالغير، فلا يخشى منه. أما الشرير، ففي طبعه إلحاق الضرر والأذى بكل واحد، وفي كل لحظة يراها، لذلك التفتت إليه الأنظار حذار منه، وخشية من مكره، وتقربت وتوددت إليه، لا حبا له، ولا تقربا إليه لا، جدير به، بل إنما تملقا وتزلفا لإبعاد شره، وأمن جانبه على نمط ما يفعله الناس تجاه الأقوياء من الأشرار حيث يتقربون إليهم أو يبتعدون عنهم طمعا ورهبة، تمشية لأمور معاشهم، لا حبا لهم وإخلاصا لاستحقاقهم ذلك الحب والاخلاص.

وقد ذكر "الجاحظ" أن الأعراب تجعل الخوافي والمستجنات جنسين. يقولون جن وحن١. وقصد بـ "الخوافي" الأرواح، لأنها لا ترى. وذكر غيره أن "الحن"، حي من الجن، كانوا قبل آدم، يقال منهم الكلاب السود البهم، يقال كلب حتي، أو سفله الجن وضعفاؤهم أو كلابهم، "ومنه حديث


١ الحيوان "٦/ ١٩٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>